الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ترجمة ابن الصلاح ] و ( الصلاح ) تخفيف من لقب والده ، فإنه هو العلامة الفقيه ، حافظ الوقت ، مفتي الفرق ، شيخ الإسلام ، تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن الإمام البارع صلاح الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري الموصلي ثم الدمشقي الشافعي .

كان إماما بارعا حجة ، متبحرا في العلوم الدينية ، بصيرا بالمذهب ووجوهه ، خبيرا بأصوله ، عارفا بالمذاهب ، جيد المادة من اللغة [ ص: 24 ] والعربية ، حافظا للحديث متقنا فيه ، حسن الضبط كبير القدر ، وافر الحرمة ، عديم النظر في زمانه ، مع الدين والعبادة ، والنسك والصيانة ، والورع والتقوى .

انتفع به خلق ، وعولوا على تصانيفه ، خصوصا كتابه المشار إليه ، فهو كما قال شيخنا وقد سمعته عليه بحثا إلا يسيرا من أوله كما تقدم ما نصه :

لا يحصى كم ناظم له ومختصر ، ومستدرك عليه ومقتصر ، ومعارض له ومنتصر ، مات في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة ( 643 هـ ) عن ست وستين سنة ، رحمه الله .

ومع استيفائي فيها لمقاصد كتابه ( زدتها علما ) من إصلاح لخلل وقع في كلامه ، أو زيادة في عد أقسام تلك المسألة ، أو فائدة مستقلة .

( تراه ) أي : المزيد ( موضعه ) بملاحظة أصلها ; لأنه وإن ميز أول كثير منه بـ " قلت " ، أو تميز بنفسه عند العارف ; لكونه حكاية عن متأخر عن ابن الصلاح بالصريح ، أو بالإشارة ، أو تعقبا لكلامه برد أو إيضاح ، فآخره قد لا يتميز ، وأيضا فقد فاته أشياء كثيرة لم يميزها بـ " قلت " ، ولا تميزت بما أشير إليه ، كما سأوضح ذلك في محاله .

وكذا أشرت من أجل التلخيص لعزو ما يكون من اختيارات ابن الصلاح وتحقيقاته إليه .

( فحيث ) الفاء هي الفصيحة ، أو تفريعية على " لخصت " ( جاء الفعل والضمير ) على البدل ( لواحد ) لا لاثنين ( ومن ) أي : والذي كل من الفعل والضمير ( له مستور ) أي : غير معلوم ، تشبيها له بالمغطى ; بأن لم يذكر فاعل الفعل معه ، ولا تقدم كلا من الفعل أو الضمير الموحدين اسم يعود عليه كـ " قال " في أمثلة الفعل .

من مثل قوله في الحسن : ( وقال بان لي بإمعاني النظر ) و " له " في الضمير من مثل قوله في حكم الصحيحين : " كذا له " ( أو أطلقت لفظ الشيخ ) [ ص: 25 ] كقوله : " فالشيخ فيما بعد قد حققه " ( ما أريد ) بكل من الفاعل ، وصاحب الضمير والشيخ ، ( إلا ابن الصلاح مبهما ) بفتح الهاء حال من المفعول ، وهو ابن الصلاح ، وبكسرها حال من فاعل ، ( أريد ) وهو الناظم ( وإن يكن ) أي : المذكور من الفعل أو الضمير ( لاثنين ) ففي الفعل ( نحو ) قولك : ( التزما ) ، وقوله : ( واقطع بصحة لما قد أسندا ) وفي الضمير نحو ( وأرفع الصحيح مرويهما ) ( فمسلم مع البخاري هما ) وقدم الأول للضرورة لا سيما وإضافته للثاني بالمعية مشعرة بالتبعية والمرجوحية .

وربما يعكر على هذا الاصطلاح ما تكون ألفه للإطلاق كقوله : ( وقيل ما لم يتصل وقالا ) .

وكقوله في اختلاف ألفاظ الشيوخ : ( وما ببعض ذا وذا وقالا ) وإن كان متميزا برسم الكتابة ، وأما ما له مرجع كقوله : ( ورود ما قالا فلا يرد ) ( والله ) بالنصب معمول ( أرجو ) وقدم للاختصاص نحو إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة : 5 ] .

( في أموري كلها معتصما ) بفتح الصاد ، تمييز للنسبة أي : أرجوه من جهة الاعتصام بمعنى الحفظ والوقاية ، وبكسرها أي : ممتنعا على أنه حال من الفاعل وهو الناظم ، أي : أؤمل الله في حالة كوني معتصما .

( في صعبها ) أي : أموري ( و ) في ( سهلها ) ، والصعب وكذا الحزن ضد السهل ; فبأي لفظ جيء به منهما تحصل المطابقة المحضة من أنواع البديع ، ولكن الإتيان بالحزن أبلغ لما فيه من التأسي به - صلى الله عليه وسلم - ; حيث قال : وأنت إن شئت جعلت الحزن سهلا وحيث أمر بتغيير " حزن " بـ " سهل " والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية