الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ درس ] ( باب ) في القراض وأحكامه

ومناسبته لما قبله أن فيه قسم الربح بين العامل ورب المال ونوع شركة قبل ذلك ، وقد رسمه المصنف بقوله ( القراض ) بكسر القاف من القرض ، وهو القطع سمي بذلك ; لأن المالك قطع قطعة من ماله لمن يعمل فيه بجزء من الربح ( توكيل ) من رب المال لغيره ( على تجر في نقد ) ذهب أو فضة فهو توكيل خاص فخرج ما عداه من أنواع التوكيل حتى الشركة ; لأن معنى في نقد تجر مقيد بهذا القيد والشركة لا تقيد به وفي بمعنى الباء أي بنقد ; لأن النقد متجر به لا فيه وهي باء الآلة والتجر التصرف بالبيع والشراء لتحصيل ربح ( مضروب ) ضربا يتعامل به لا بعروض ولا بتبر ونقار فضة ( مسلم ) من ربه للعامل ( بجزء ) شائع كائن ( من ربحه ) أي ربح ذلك المال لا بقدر معين من ربحه كعشرة دنانير ولا بشائع من ربح غيره وأولى بمعين [ ص: 518 ] ( إن علم قدرهما ) أي المال والجزء كربع أو نصف واشترط علم قدر الأصل ; لأن الجهل به كما لو دفع له مالا غير معلوم العدد والوزن يؤدي إلى الجهل بالربح ويجوز بالنقد الموصوف بما تقدم .

( ولو ) كان ( مغشوشا ) فهو مبالغة في مقدر لا من تمام التعريف وذكر مفهوم مسلم ، وهو ثلاثة الدين والرهن الوديعة وبدأ بالدين ; لأنه الأصل بقوله ( لا بدين ) لرب المال ( عليه ) أي على العامل ; لأنه يتهم على أنه أخره به ليزيده فيه .

( و ) إن وقع بدين ( استمر ) دينا على العامل يضمنه لربه وللعامل الربح وعليه الخسر ( ما ) أي مدة كونه ( لم يقبض أو ) لم ( يحضره ) لربه ( ويشهد ) أي مع الإشهاد بعدلين أو عدل وامرأتين فإن أقبضه لربه أو أحضره مع الإشهاد على أن هذا هو الدين الذي على المدين وأن ذمته قد برئت منه ثم دفعه له قراضا صح لانتفاء التهمة المتقدمة

التالي السابق


( باب في القراض ) ( قوله ونوع شركة ) عطف على قسم أي ولأن فيه نوع شركة قبل قسم الربح ( قوله من القرض ) أي بفتح القاف ( قوله بجزء من الربح ) أي والعامل قطع لرب المال جزءا من الربح الحاصل بسعيه ا هـ .

بن وحينئذ فالمفاعلة على بابها ( قوله توكيل إلخ ) هذا يقتضي أنه لا بد في القراض من لفظ ولا تكفي في انعقاده المعاطاة ; لأن التوكيل لا بد فيه من لفظ ويفيد ذلك أيضا قوله بجزء ; لأن جعل الجزء للعامل إنما يكون باللفظ لكن مقتضى قول ابن الحاجب القراض إجارة على التجر في مال بجزء من ربحه أنه يكفي فيه المعاطاة ; لأن الإجارة يكفي فيها المعاطاة كالبيع إذا وجدت القرينة ( قوله على تجر إلخ ) المراد به البيع والشراء لتحصيل الربح ( قوله ما عداه ) أي ما عدا ذلك التوكيل الخاص ( قوله حتى الشركة ) أي حتى خرجت الشركة وقوله ; لأن إلخ علة لخروج الشركة ( قوله والشركة لا تقيد به ) أي لجوازها بالنقد وغيره كما مر ( قوله ; لأن النقد متجر به لا فيه ) أي وحينئذ فمتعلق تجر محذوف أي في كل نوع ، وليس المراد ظاهره من توكيله على بيع الذهب بالفضة وعكسه لعدم شموله للتجارة بنقد في عروض مع أنها جائزة وقد يقال جعل في بمعنى الباء غير لازم بل يصح إبقاؤها على حالها للظرفية المجازية والتجر في المال يشمل عرفا التجر به في أي شيء كان تدبر .

( قوله ضربا يتعامل به ) اشتراط التعامل في المسكوك هو الذي فهمه الشيخ زروق من كلام التنبيهات قال ح ولم أر من صرح به لا في التنبيهات ولا في غيرها فانظره ا هـ .

بن ( قوله لا بعروض ) أي ومنها الفلوس الجدد ، وهذا محترز بنقد وما بعده محترز مضروبا وكان عليه أن يزيد ولا بمضروب لا يتعامل به كما في بلاد السودان وظاهره عدم الصحة إذا كان رأس المال عرضا ولو كان يتعامل به .

ولو انفرد التعامل به كالودع قصرا للرخصة على موردها لكن قال بعضهم كما في بن أن الدراهم والدنانير ليست مقصودة لذاتها حتى يمتنع القراض بغيرها حيث انفرد التعامل به انظره ( قوله مسلم من ربه للعامل ) أي بدون أمين عليه لا بدين عليه أو برهن أو وديعة كما يأتي ولا إن جعل عليه أمينا فإن تسليمه حينئذ كلا تسليم ( قوله بجزء ) الأولى تعلقه بتوكيل لا بتجر أي أن يوكله بجزء على أن يتجر بالنقد أي بالمال كله وتعلقه بتجر يوهم أن المتجر به الجزء مع أن المتجر به المال كله ( قوله كعشرة دنانير ) أي إلا أن ينسبها لقدر سماه من الربح [ ص: 518 ] كلك عشرة إن كان الربح مائة فيجوز ; لأنه بمنزلة العشرة ( قوله إن علم قدرهما ) أي وقت العقد ( قوله يؤدي إلى الجهل بالربح ) إن أراد الجهل بمقداره فهذا لازم لكل قراض ولا يضر ، وإن أراد الجهل بالجزء المجعول للعامل من الربح من نصف أو ربع مثلا فلا يسلم .

فالأولى التعليل بأن فيه خروجا عن سنة القراض الذي هو رخصة وذلك ; لأنه قد استثني للضرورة من الإجارة بمجهول ومن السلف بمنفعة ( قوله الموصوف بما تقدم ) أي من كونه مضروبا متعاملا به ( قوله من تمام التعريف إلخ ) صفة لمقدر أي مبالغة في مقدر مستقل لا من تمام التعريف لئلا يلزم أخذ الحكم في التعريف ، وهو دور ، ورد المصنف بلو قول عبد الوهاب بالمنع كذا في بن وغيره ( قوله ; لأنه الأصل ) أي في المنع لورود النص فيه ، وأما الرهن الوديعة فالمنع فيهما بطريق القياس على الدين ( قوله واستمر إلخ ) مستأنف استئنافا بيانيا جوابا عما يقال قد قلت إن القراض بالدين لا يصح فما حكمه إذا وقع ؟ فأجاب بقوله واستمر إلخ ( قوله ما لم يقبض أو يحضره ) إن قلت المحل للواو لا لأو ; لأن عدم الجواز مقيد بانتفاء الأمرين معا فإذا انتفى القبض والإحضار مع الإشهاد فلا يجوز وإذا حصل أحدهما فالجواز ، والجواب أن أو بعد النفي لنفي الأحد الدائر ، وهو صادق بكل منهما فلا بد من انتفائهما معا حتى يتحقق انتفاؤه كقوله تعالى { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } ( وقوله أو أحضره ) أي في يده لربه ( قوله مع الإشهاد ) أي لرجلين أو رجل وامرأتين ولا يكفي إشهاد واحد ويمين لعدم تصوره هنا ; لأن اليمين على المنكر عند التنازع ولا نزاع هنا إنما هو إشهاد على شيء حاضر .

( قوله ثم دفعه له قراضا ) أي في الحالة الأولى ، وهي ما إذا أقبضه لربه أو أمره أن يعمل به في الحالة الثانية ، وهي ما إذا أحضره لربه ( قوله صح ) ظاهره أنه لمجرد القبض يصح القراض ولو أعاده له بالقرب وهو كذلك والمغصوب يكفي في صحة عمل الغاصب فيه قراضا إحضاره لربه كالوديعة




الخدمات العلمية