الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

808 . ومات آخرا بغير مرية أبو الطفيل مات عام مائة      809 . وقبله السائب بالمدينة
أو سهل أو جابر أو بمكة      810 . وقيل : الاخر بها : ابن عمرا
إن لا أبو الطفيل فيها قبرا      811 . وأنس بن مالك بالبصرة
وابن أبي أوفى قضى بالكوفة [ ص: 146 ]      512 . والشام فابن بسر أو ذو باهله
خلف ، وقيل : بدمشق واثله      813 . وأن في حمص ابن بسر قبضا
وأن بالجزيرة العرس قضى      814 . وبفلسطين أبو أبي
ومصر فابن الحارث بن جزي      815 . وقبض الهرماس باليمامة
وقبله رويفع ببرقة      816 . وقيل : إفريقية وسلمه
باديا أو بطيبة المكرمه

التالي السابق


في هذا الفصل بيان آخر من مات من الصحابة مطلقا ومقيدا بالبلدان والنواحي ، فأما آخرهم موتا على الإطلاق : فأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي مات سنة مائة من الهجرة ، كذا جزم به ابن الصلاح ، وكذا رواه الحاكم في المستدرك عن شباب العصفري ، وهو خليفة بن خياط ، وكذا رويناه في صحيح مسلم من رواية إبراهيم بن سفيان قال : "قال مسلم : مات أبو الطفيل سنة مائة ، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ، وكذا قال ابن عبد البر : إن وفاته سنة مائة . وقال خليفة بن خياط في غير رواية الحاكم : إنه تأخر بعد المائة ، وقيل : توفي سنة اثنتين [ ص: 147 ] ومائة ، قاله مصعب بن عبد الله الزبيري ، وجزم ابن حبان وابن قانع ، وأبو زكريا ابن منده : أنه توفي سنة سبع ومائة ، وقد روى وهب بن جرير بن حازم عن أبيه ، قال : كنت بمكة سنة عشر ومائة ، فرأيت جنازة فسألت عنها ، فقالوا : هذا أبو الطفيل ، وهذا هو الذي صححه الذهبي في الوفيات : أنه في سنة عشر ومائة .

وأما كونه آخر الصحابة موتا فجزم به مسلم ، ومصعب بن عبد الله الزبيري ، وأبو زكريا بن منده ، وأبو الحجاج المزي وغيرهم ، وروينا في صحيح مسلم بإسناده إلى أبي الطفيل ، قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجل رآه غيري . فتبين أنه آخرهم موتا على الإطلاق ، ومات بمكة ، فهو آخر من مات بها من الصحابة كما جزم به ابن حبان ، وأبو زكريا بن منده ، وكذا ذكر علي بن المديني : أنه مات بمكة ، وأما ما حكاه بعض المتأخرين عن ابن دريد ، من أن عكراش بن ذؤيب ، تأخر بعد ذلك ، وأنه عاش بعد الجمل مائة سنة ، فهذا باطل لا أصل له ، والذي أوقع ابن دريد في ذلك ابن قتيبة ، فقد سبقه إلى ذلك ، وقاله في كتاب [ ص: 148 ] المعارف ، وهو إما باطل أو مؤول بأنه استكمل بعد الجمل مائة سنة لا أنه بقي بعدها مائة سنة ، والله أعلم .

وأما آخر من مات مقيدا بالنواحي ، فاختلفوا في آخر من مات بالمدينة الشريفة على أقوال :فقيل : السائب بن يزيد ، قاله أبو بكر بن أبي داود واختلف في سنة وفاته ، فقيل : سنة ثمانين ، وقيل : ست وثمانين ، وقيل : ثمان وثمانين ، وقيل : إحدى وتسعين ، قاله الجعد بن عبد الرحمن ، والفلاس ، وبه جزم ابن حبان ، واختلف أيضا في مولده ، فقيل : في السنة الثانية من الهجرة ، وقيل : في الثالثة .

والقول الثاني : : أن آخرهم موتا بالمدينة : سهل بن سعد الأنصاري ، قاله علي بن المديني ، والواقدي ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، ومحمد بن سعد ، وابن حبان ، وابن قانع ، وأبو زكريا بن منده ، وادعى ابن سعد نفي الخلاف فيه ، فقال : ليس بيننا في ذلك اختلاف ، وقد أطلق أبو حازم أنه آخر الصحابة موتا ، وكأنه أخذه من قول سهل ، حيث سمعه يقول : لو مت لم تسمعوا أحدا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والظاهر أنه أراد أهل المدينة إذ لم يكن بقي بالمدينة غيره . وقد اختلف في سنة وفاته أيضا ، [ ص: 149 ] فقيل : سنة ثمان وثمانين ، قاله أبو نعيم والبخاري والترمذي ، وقيل : سنة إحدى وتسعين قاله الواقدي ، والمدائني ، ويحيى بن بكير ، وابن نمير ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ورجحه ابن زبر ، وابن حبان . وقد اختلف في وفاته أيضا بالمدينة فالجمهور على أنه مات بها ، وقال قتادة : بمصر ، وقال أبو بكر بن أبي داود : بالإسكندرية ، ولهذا جعل السائب آخر من مات بالمدينة كما تقدم .

والقول الثالث : إن آخرهم موتا بها جابر بن عبد الله ، رواه أحمد بن حنبل عن قتادة ، وبه صدر ابن الصلاح كلامه ، فاقتضى ترجيحه عنده ، وكذا قاله أبو نعيم وهو قول ضعيف ; لأن السائب مات بالمدينة عنده بلا خلاف ، وقد تأخر بعده ، وقد اختلف أيضا في مكان وفاة جابر ، فالجمهور على أنه مات بالمدينة ، وقيل : بقباء . وقيل : بمكة ، قاله أبو بكر بن أبي داود ، وإليه أشرت بقولي : ( أو بمكة ) .

واختلف في سنة وفاته ، فقيل : سنة اثنتين وسبعين ، وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع ، وقيل : سبع ، وقيل : ثمان ، وهو المشهور ، وقيل : سنة تسع وسبعين . قلت : هكذا اقتصر ابن الصلاح على ثلاثة أقوال في آخر من مات بالمدينة ، وقد تأخر بعد الثلاثة [ ص: 150 ] المذكورين بالمدينة محمود بن الربيع الذي عقل مجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه ، وهو ابن خمس سنين ، وتوفي سنة تسع وتسعين ، بتقديم التاء فيهما ، فهو إذا آخر الصحابة موتا بالمدينة . وتأخر أيضا بعد الثلاثة محمود بن لبيد الأشهلي ، مات بالمدينة سنة ست وتسعين أو خمس وتسعين ، وقد قال البخاري : إن له صحبة .

وكذا قال ابن حبان وإن كان مسلم وجماعة عدوه في التابعين .

وأما آخر من مات بمكة منهم ، فقيل : جابر بن عبد الله ، قاله ابن أبي داود . والمشهور وفاته بالمدينة كما تقدم ، وقيل : آخرهم موتا بها عبد الله بن عمر بن الخطاب ، قاله قتادة وأبو الشيخ ابن حيان في تاريخه ، وبه صدر ابن الصلاح كلامه . وقد [ ص: 151 ] اختلف في سنة وفاته ، فقيل : سنة ثلاث وسبعين ، وقيل : أربع ، ورجحه ابن زبر . وممن جزم أنه مات بمكة ، ودفن بفخ ، ابنه سالم بن عبد الله ، وابن حبان ، وابن زبر ، وغير واحد ، وكذلك مصعب بن عبد الله الزبيري ; ولكنه قال دفن بذي طوى ، وإنما يكون جابر أو ابن عمر آخر من مات بمكة إن لم يكن أبو الطفيل مات بها ، كما قد قيل ، والصحيح : أن أبا الطفيل مات بمكة ، كما قاله علي بن المديني وابن حبان وغيرهما ، وإلى هذا أشرت بقولي : ( إن لا أبو الطفيل فيها قبرا ) .

وآخر من مات منهم بالبصرة : أنس بن مالك ، قاله قتادة ، وأبو هلال ، والفلاس ، وابن المديني وابن سعد ، وأبو زكريا بن منده ، وغيرهم ، [ ص: 152 ] واختلف في وقت وفاته ، فقيل : سنة ثلاث وتسعين ، وقيل : سنة اثنتين ، وقيل : إحدى ، وقيل : سنة تسعين ، قال ابن عبد البر : وما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أبا الطفيل .

قلت : قد مات بعده محمود بن الربيع بلا خلاف في سنة تسع وتسعين ، كما تقدم ، وقد رآه وعقل عنه وحدث عنه ، كما في صحيح البخاري ، والله أعلم .

وكذا تأخر بعده عبد الله بن بسر المازني في قول عبد الصمد بن سعيد ، كما سيأتي .

وآخر من مات منهم بالكوفة : عبد الله بن أبي أوفى ، قاله قتادة والفلاس وابن حبان وابن زبر وابن عبد البر ، وأبو زكريا بن [ ص: 153 ] منده . وذكر ابن المديني : أن آخرهم موتا بالكوفة : أبو جحيفة ، والأول أصح ، فإن أبا جحيفة توفي سنة ثلاث وثمانين ، وقيل : أربع وسبعين ، وبقي ابن أبي أوفى بعده إلى سنة ست وثمانين ، وقيل : سبع ، وقيل : ثمان ، نعم . . بقي النظر في ابن أبي أوفى ، وعمرو بن حريث ، فإنه أيضا مات بالكوفة ، فإن كان عمرو بن حريث توفي في سنة خمس وثمانين ، فقد تأخر ابن أبي أوفى بعده ، وإن كان توفي سنة ثمان وتسعين ، كما رواه الخطيب في المتفق والمفترق ، عن محمد بن الحسن الزعفراني ; فيكون عمرو بن حريث آخرهم موتا بها ، والله أعلم . وابن أبي أوفى آخر من بقي ممن شهد بيعة الرضوان [ ص: 154 ] .

وآخر من مات منهم بالشام : عبد الله بن بسر المازني ، قاله الأحوص بن حكيم ، وابن المديني ، وابن حبان ، وابن قانع ، وابن عبد البر ، والمزي ، والذهبي . واختلف في وفاته ، فقيل : سنة ثمان وثمانين وهو المشهور ، وقيل : سنة ست وتسعين ، قاله عبد الصمد بن سعيد ، وبه جزم أبو عبد الله بن منده ، وأبو زكريا بن منده ، وقال : إنه صلى للقبلتين .

فعلى هذا هو آخر من بقي ممن صلى للقبلتين .

وقيل : إن آخر من مات بالشام منهم : أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، روي ذلك عن الحسن البصري وابن عيينة ، وبه جزم أبو عبد الله ابن منده ، وأشرت إلى الخلاف بقولي : ( أو ذو باهله ) ، والصحيح الأول ، فقد قال البخاري في [ ص: 155 ] التاريخ الكبير قال علي : سمعت سفيان ، قلت لأحوص : كان أبو أمامة آخر من مات عندكم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : كان بعده عبد الله بن بسر ، قد رأيته .

واختلف في سنة وفاة أبي أمامة ، فقيل : سنة ست وثمانين ، وقيل : إحدى وثمانين .

وقولي : ( بدمشق واثله ) ، إشارة إلى طريقة أخرى سلكها بعضهم في آخر من بقي في نواح من الشام بالنسبة إلى دمشق ، وحمص ، وفلسطين ، وهو أبو زكريا بن منده ، فقال في جزء جمعه في آخر من مات من الصحابة فيما رويناه عنه :آخر من مات بدمشق منهم : واثلة بن الأسقع الليثي ، وكذا قاله قتادة ; ولكن قد اختلف في مكان وفاته ، فقال قتادة ودحيم ، وأبو زكريا بن منده : مات بدمشق ، وقال أبو حاتم الرازي : مات ببيت المقدس . وقال ابن قانع : بحمص . واختلف أيضا في سنة وفاته ، فقيل : سنة خمس وثمانين . وقيل : ثلاث . وقيل : سنة ست وثمانين .

وآخر من مات بحمص منهم : عبد الله بن بسر المازني ، قاله قتادة ، وأبو زكريا بن منده [ ص: 156 ] .

وآخر من مات منهم بالجزيرة : العرس بن عميرة الكندي ، قاله أبو زكريا بن منده .

وآخر من مات منهم بفلسطين : أبو أبي عبد الله بن أم حرام ، قاله أبو زكريا بن منده ، وهو ابن امرأة عبادة بن الصامت . واختلف في اسمه ، فقال ابن سعد ، وخليفة ، وابن عبد البر : هو عبد الله بن عمرو بن قيس وقيل : عبد الله بن أبي ، وقيل : ابن كعب ، وقد اختلف أيضا في مكان وفاته . فقيل : إنه مات بدمشق . وذكر ابن سميع : أنه توفي ببيت المقدس ، قلت : فإن كان توفي بدمشق ، فآخر من مات بفلسطين قيس بن سعد بن عبادة ، فقد ذكر أبو الشيخ في تاريخه عن بعض ولد سعد : أن قيس بن سعد توفي بفلسطين سنة خمس وثمانين في ولاية عبد الملك ; لكن المشهور أنه توفي في المدينة في آخر خلافة معاوية ، قاله الهيثم بن عدي ، والواقدي ، وخليفة ابن خياط ، وغيرهم .

وآخر من مات منهم بمصر : عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، قاله سفيان بن عيينة ، وعلي بن المديني ، وأبو زكريا بن منده . واختلف في سنة وفاته ، فالمشهور : سنة ست وثمانين ، وقيل : سنة خمس ، وقيل : سبع ، وقيل : ثمان ، وقيل : تسع . وذكر الطحاوي أنه مات بسفط القدور ، وهي التي تعرف اليوم بسفط أبي [ ص: 157 ] تراب ، وقد قيل : إنه مات باليمامة ، حكاه أبو عبد الله بن منده ، وقال أيضا : إنه شهد بدرا ، فعلى هذا هو آخر البدريين موتا ، ولا يصح شهوده بدرا ، والله أعلم .

وقولي : ( جزي ) ، هو بإبدال الهمزة ياء لموافقة القافية .

وآخر من مات منهم باليمامة : الهرماس بن زياد الباهلي ، قاله أبو زكريا ابن منده ، وذكر عن عكرمة بن عمار ، قال : لقيت الهرماس بن زياد سنة اثنتين ومائة .

وآخرهم موتا ببرقة : رويفع بن ثابت الأنصاري ، وقال أبو زكريا ابن منده : إنه توفي بإفريقية ، وإنه آخر من مات بها من الصحابة ، وقال أحمد بن البرقي : توفي ببرقة ، وصححه المزي ، وقال ابن الصلاح : "إنه لا يصح وفاته بإفريقية" ، وكذا ذكر ابن يونس : أنه توفي ببرقة ، وهو أمير عليها لمسلمة بن مخلد سنة ثلاث وخمسين ، فإن قبره معروف ببرقة إلى اليوم ، ووقع في تهذيب الكمال نقلا عن ابن يونس : أن وفاته في سنة ست وخمسين . وفي مكان وفاته قول آخر لم يحكه ابن منده ، ولا ابن الصلاح ، وهو أنه مات بأنطابلس ، قاله الليث بن سعد . وقيل : إنه مات بالشام .

وآخر من مات منهم بالبادية : سلمة بن الأكوع ، قاله أبو زكريا بن منده ، والصحيح أنه مات بالمدينة ، قاله ابنه إياس بن سلمة ، ويحيى بن بكير ، وأبو عبد الله بن منده . ورجحه ابن الصلاح . وأشرت إلى الخلاف بقولي : ( أو بطيبة المكرمه ) [ ص: 158 ] .

واختلف أيضا في سنة وفاته ، فالصحيح : أنه توفي سنة أربع وسبعين ، وقيل : سنة أربع وستين .

وهذا آخر ما ذكره ابن الصلاح من أواخر من مات من الصحابة مقيدا بالأماكن ، وبقي عليه مما ذكره أبو زكريا بن منده أن آخر من مات بخراسان منهم : بريدة بن الحصيب ، وأن آخر من مات منهم بالرخج منهم : العداء بن خالد بن هوذة ، والرخج : من أعمال سجستان .

ومما لم يذكره ابن الصلاح ، ولا ابن منده أيضا : أن آخر من مات منهم بأصبهان : النابغة الجعدي ، وقد ذكر وفاته بأصبهان أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين ، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان .

وآخر من مات منهم بالطائف : عبد الله بن عباس .




الخدمات العلمية