الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 80 ]

752 . كذلك المشهور أيضا قسموا لشهرة مطلقة كـ "المسلم      753 . من سلم الحديث" والمقصور
على المحدثين من مشهور      754 . "قنوته بعد الركوع شهرا"
ومنه ذو تواتر مستقرا      755 . في طبقاته كمتن "من كذب"
ففوق ستين رووه والعجب      756 . بأن من رواته للعشره
وخص بالأمرين فيما ذكره      757 . الشيخ عن بعضهم ، قلت : بلى
"مسح الخفاف" وابن مندة إلى      758 . عشرتهم "رفع اليدين" نسبا
ونيفوا عن مائة "من كذبا"

التالي السابق


أي : كما أن المشهور ينقسم إلى صحيح وضعيف ، كذلك ينقسم من وجه آخر إلى ما هو مشهور شهرة مطلقة بين أهل الحديث ، وغيرهم ، كحديث : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، وما أشبه ذلك في الشهرة المطلقة ، وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة ، كحديث أنس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا بعد الركوع ، يدعو على رعل ; وذكوان" فهذا حديث اتفق عليه الشيخان من رواية سليمان التيمي ، عن أبي مجلز واسمه : لاحق بن حميد ، عن أنس ، وقد رواه عن أنس غير أبي مجلز [ ص: 81 ] ، وعن أبي مجلز غير سليمان التيمي ، وعن سليمان التيمي جماعة ، وهو مشهور بين أهل الحديث ، وقد يستغربه غيرهم ; لأن الغالب على رواية التيمي ، عن أنس ، كونها بغير واسطة ، وهذا الحديث بواسطة أبي مجلز .

ثم إن المشهور أيضا ينقسم باعتبار آخر إلى ما هو متواتر ، وإلى ما هو مشهور غير متواتر . وقد ذكر المتواتر الفقهاء والأصوليون وبعض أهل الحديث . قال ابن الصلاح : "وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص ، وإن كان الخطيب قد ذكره في كتابه الكفاية ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث" . قلت : قد ذكره الحاكم ، وابن حزم وابن عبد البر . وهو الخبر الذي ينقله عدد يحصل العلم بصدقهم ضرورة . وعبر عنه غير واحد بقوله : عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب . ولا بد من وجود ذلك في رواته من أوله إلى منتهاه ، وإلى ذلك أشرت بقولي : (في طبقاته) . قال ابن الصلاح : ومن سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه تطلبه . ثم قال : نعم . . حديث : "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ، نراه مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة - رضي الله عنهم - العدد الجم ، وهو في الصحيحين مروي عن جماعة منهم . قال : وذكر أبو بكر البزار في مسنده : أنه رواه نحو من أربعين رجلا من الصحابة . قال : وذكر بعض الحفاظ : أنه رواه اثنان وستون نفسا من الصحابة ، وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة . قال : وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره [ ص: 82 ] ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا هذا الحديث الواحد قال : وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد ، وفي بعض ذلك عدد التواتر! انتهى .

وما حكاه ابن الصلاح عن بعض الحفاظ ، وأبهمه ، هو في كلام ابن الجوزي ، فإنه ذكر في مقدمة الموضوعات ، أنه رواه من الصحابة أحد وستون نفسا ، ثم روى بعد ذلك بأوراق عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الإسفراييني ، أنه ليس في الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره . ثم قال ابن الجوزي قلت : ما وقعت إلي رواية عبد الرحمن بن عوف إلى الآن . قال : ولا عرفت حديثا رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد وستون نفسا ، وعلى قول هذا الحافظ اثنان وستون نفسا ، إلا هذا الحديث" . هذا كلامه في النسخة الأولى من الموضوعات ، ومن خط الحافظ أبي محمد المنذري نقلت . وأما كلامه المحكي عن الكتاب المذكور في آخر الفصل ، فهو في النسخة الأخيرة ، فاعلم ذلك . قلت : وما ذكره ابن الصلاح عن بعض الحفاظ ، من تخصيص هذا الحديث بهذا العدد ، وبكونه من رواية العشرة منقوض بحديث المسح على الخفين ، فقد رواه أكثر من ستين من الصحابة ، ومنهم العشرة ، ذكر ذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده في كتاب له سماه المستخرج من كتب الناس . وذكر صاحب الإمام عن ابن [ ص: 83 ] المنذر قال : روينا عن الحسن أنه قال : حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين . انتهى . وجعله ابن عبد البر متواترا ، فقال : روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين ، نحو أربعين من الصحابة ، واستفاض ، وتواتر . قلت : فهذا مثال آخر للمتواتر ، صرح بوصفه بذلك . وإلى ذلك أشرت بقولي : (قلت : بلى مسح الخفاف) .

وأيضا فحديث رفع اليدين قد عزاه غير واحد من الأئمة إلى رواية العشرة أيضا ، منهم ابن منده المذكور في كتاب المستخرج ، والحاكم أبو عبد الله ، وجعل ذلك مما اختص به حديث رفع اليدين ، قال البيهقي : سمعته يقول : لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الأربعة ، ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، فمن بعدهم من أكابر الصحابة ، على تفرقهم في البلاد الشاسعة ; غير هذه السنة . قال البيهقي : وهو كما قال أستاذنا أبو عبد الله - رضي الله عنه - . فقد روى هذه السنة عن العشرة وغيرهم ، وأما عدة من رواه من الصحابة ، فقال ابن عبد البر في التمهيد : رواه ثلاثة عشر رجلا من الصحابة . وقال السلفي : رواه سبعة عشر . قلت : وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين ، ولله الحمد .

وقولي : (ونيفوا عن مائة) أي : ورووا حديث "من كذب علي متعمدا" عن مائة ونيف من الصحابة . وقال ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات : رواه من الصحابة [ ص: 84 ] ثمانية وتسعون نفسا . انتهى . هكذا نقلته من خط علي ، ولد المصنف ، وهي النسخة الأخيرة من الكتاب المذكور وفيها زوائد ليست في النسخة الأولى التي كتبت عنه . وقد جمع الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي طرقه في جزأين ، فبلغ بهم مائة واثنين ، وأخبرني بعض الحفاظ : أنه رأى في كلام بعض الحفاظ : أنه رواه مائتان من الصحابة ، وأنا أستبعد وقوع ذلك ، والله أعلم .




الخدمات العلمية