الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( هجر ) ( س ) فيه لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية .

                                                          ( س ) وفي حديث آخر " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة " الهجرة في الأصل : الاسم من الهجر ، ضد الوصل . وقد هجره هجرا وهجرانا ، ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض ، وترك الأولى للثانية . يقال منه : هاجر مهاجرة .

                                                          والهجرة هجرتان : إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويدع أهله وماله ، لا يرجع في شيء منه ، وينقطع بنفسه إلى مهاجره ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها ، فمن ثم قال : " لكن البائس سعد بن خولة " ، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة . وقال حين قدم مكة : " اللهم لا تجعل منايانا بها " . فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة ، وانقطعت الهجرة .

                                                          والهجرة الثانية : من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين ، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى ، فهو مهاجر ، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة ، وهو المراد بقوله : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة " .

                                                          فهذا وجه الجمع بين الحديثين . وإذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة .

                                                          * ومنه الحديث " ستكون هجرة بعد هجرة ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " المهاجر ، بفتح الجيم : موضع المهاجرة ، ويريد به الشام ; لأن إبراهيم عليه السلام لما خرج من أرض العراق مضى إلى الشام وأقام به .

                                                          [ ص: 245 ] ( ه ) وفي حديث عمر " هاجروا ولا تهجروا " أي أخلصوا الهجرة لله ، ولا تتشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم . يقال : تهجر وتمهجر ، إذا تشبه بالمهاجرين .

                                                          وقد تكرر ذكر هذه الكلمة في الحديث ، اسما وفعلا ، ومفردا وجمعا .

                                                          ( س ) وفيه " لا هجرة بعد ثلاث " يريد به الهجر ضد الوصل . يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة ، أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة ، دون ما كان من ذلك في جانب الدين ، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مر الأوقات ، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاف على كعب بن مالك وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يوما . وقد هجر نساءه شهرا ، وهجرت عائشة ابن الزبير مدة وهجر جماعة من الصحابة جماعة منهم وماتوا متهاجرين . ولعل أحد الأمرين منسوخ بالآخر .

                                                          ( ه ) ومنه الحديث " من الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرا " يريد هجران القلب وترك الإخلاص في الذكر . فكأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له .

                                                          * ومنه حديث أبي الدرداء " ولا يسمعون القرآن إلا هجرا " يريد الترك له والإعراض عنه . يقال : هجرت الشيء هجرا إذا تركته وأغفلته .

                                                          ورواه ابن قتيبة في كتابه " ولا يسمعون القول إلا هجرا " بالضم . وقال : هو الخنا والقبيح من القول .

                                                          قال الخطابي : هذا غلط في الرواية والمعنى ، فإن الصحيح من الرواية " ولا يسمعون القرآن " . ومن رواه " القول " فإنما أراد به القرآن ، فتوهم أنه أراد به قول الناس . والقرآن ليس من الخنا والقبيح من القول .

                                                          ( ه ) وفيه كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا أي فحشا . يقال : أهجر في منطقه يهجر إهجارا ، إذا أفحش . وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي . والاسم : الهجر ، بالضم . وهجر يهجر هجرا ، بالفتح ، إذا خلط في كلامه ، وإذا هذى .

                                                          [ ص: 246 ] ( ه ) ومنه الحديث " إذا طفتم بالبيت فلا تلغوا ولا تهجروا " يروى بالضم والفتح ، من الفحش والتخليط .

                                                          ( س ) ومنه حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم " قالوا : ما شأنه ؟ أهجر ؟ " أي اختلف كلامه بسبب المرض ، على سبيل الاستفهام . أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ؟ وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل إخبارا ، فيكون إما من الفحش أو الهذيان . والقائل كان عمر ، ولا يظن به ذلك .

                                                          ( ه ) وفيه " لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه " التهجير : التبكير إلى كل شيء والمبادرة إليه . يقال : هجر يهجر تهجيرا ، فهو مهجر ، وهي لغة حجازية ، أراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة .

                                                          ( ه ) وفي حديث الجمعة " فالمهجر إليها كالمهدي بدنة " أي المبكر إليها . وقد تكررت في الحديث .

                                                          * وفيه " أنه كان يصلي الهجير حين تدحض الشمس " أراد صلاة الهجير ، يعني الظهر ، فحذف المضاف . والهجير والهاجرة : اشتداد الحر نصف النهار . والهجير ، والتهجر ، والإهجار : السير في الهاجرة ، وقد هجر النهار ، وهجر الراكب ، فهو مهجر .

                                                          * ومنه حديث زيد بن عمرو " وهل مهجر كمن قال ؟ " أي هل من سار في الهاجرة كمن أقام في القائلة ؟ وقد تكرر في الحديث ، على اختلاف تصرفه .

                                                          * وفي حديث معاوية " ماء نمير ولبن هجير " أي فائق فاضل . يقال : هذا أهجر من هذا : أي أفضل منه . ويقال في كل شيء .

                                                          ( ه ) وفي حديث عمر " ما له هجيرى غيرها " الهجير والهجيرى : الدأب والعادة والديدن .

                                                          ( س ) وفي حديثه أيضا " عجبت لتاجر هجر وراكب البحر " هجر : اسم بلد معروف بالبحرين ، وهو مذكر مصروف ، وإنما خصها لكثرة وبائها . أي إن تاجرها وراكب البحر سواء في الخطر .

                                                          [ ص: 247 ] فأما هجر التي تنسب إليها القلال الهجرية فهي قرى المدينة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية