الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب أجر السمسرة ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسا وقال ابن عباس لا بأس أن يقول بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك وقال ابن سيرين إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به وقال النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم

                                                                                                                                                                                                        2154 حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الركبان ولا يبيع حاضر لباد قلت يا ابن عباس ما قوله لا يبيع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب أجر السمسرة ) أي : حكمه وهي بمهملتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسا ) أما قول ابن سيرين وإبراهيم فوصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ : " لا بأس بأجر السمسار إذا اشترى يدا بيد " وأما قول عطاء فوصله ابن أبي شيبة أيضا بلفظ : " سئل عطاء عن السمسرة فقال : لا بأس بها " وكأن المصنف أشار إلى الرد على من كرهها ، وقد نقله ابن المنذر عن الكوفيين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس : لا بأس أن يقول : بع هذا الثوب ، فما زاد على كذا وكذا فهو لك ) وصله ابن أبي شيبة من طريق عطاء نحوه ، وهذه أجر سمسرة أيضا لكنها مجهولة ولذلك لم يجزها الجمهور وقالوا : إن باع له على ذلك فله أجر مثله ، وحمل بعضهم إجازة ابن عباس على أنه أجراه مجرى المقارض ، وبذلك [ ص: 528 ] أجاب أحمد وإسحاق ونقل ابن التين أن بعضهم شرط في جوازه أن يعلم الناس ذلك الوقت أن ثمن السلعة يساوي أكثر مما سمى له ، وتعقبه بأن الجهل بمقدار الأجرة باق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن سيرين : إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فلك أو بيني وبينك فلا بأس به ) وصله ابن أبي شيبة أيضا من طريق يونس عنه ، وهذا أشبه بصورة المقارض من السمسار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون عند شروطهم ) هذا أحد الأحاديث التي لم يوصلها المصنف في مكان آخر ، وقد جاء من حديث عمرو بن عوف المزني فأخرجه إسحاق في مسنده من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظه وزاد : " إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " وكثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن خزيمة يقوون أمره ، وأما حديث أبي هريرة فوصله أحمد وأبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح وهو بموحدة عن أبي هريرة بلفظه أيضا دون زيادة كثير فزاد بدلها : " والصلح جائز بين المسلمين " وهذه الزيادة أخرجها الدارقطني والحاكم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ، ولابن أبي شيبة من طريق عطاء : " بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال المؤمنون عند شروطهم " ، وللدارقطني والحاكم من حديث عائشة مثله وزاد : " ما وافق الحق " .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : ظن ابن التين أن قوله : " وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمون على شروطهم " بقية كلام ابن سيرين فشرح على ذلك فوهم ، وقد تعقبه القطب الحلبي ومن تبعه من علمائنا . ثم أورد المصنف حديث ابن عباس الماضي في البيوع ، والمراد منه قوله في تفسير المنع لبيع الحاضر للبادي : " أن لا يكون له سمسارا " فإن مفهومه أنه يجوز أن يكون سمسارا في بيع الحاضر للحاضر ، ولكن شرط الجمهور أن تكون الأجرة معلومة ، وعن أبي حنيفة إن دفع له ألفا على أن يشتري بها بزا بأجرة عشرة فهو فاسد ، فإن اشترى فله أجرة المثل ولا يجوز ما سمى من الأجرة . وعن أبي ثور إذا جعل له في كل ألف شيئا معلوما لم يجز ؛ لأن ذلك غير معلوم فإن عمل فله أجر مثله ، وحجة من منع أنها إجارة في أمر لأمد غير معلوم ، وحجة من أجازه أنه إذا عين له الأجرة كفى ويكون من باب الجعالة . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية