الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    وقد اختلف الفقهاء في مقدار التعزير على أقوال : أحدها : أنه بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيجتهد فيه ولي الأمر .

                    الثاني : وهو أحسنها - أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها ، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنا ، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع ، ولا على الشتم بدون القذف حد القذف . وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد .

                    والقول الثالث : أنه يبلغ بالتعزير أدنى الحدود : إما أربعين ، وإما ثمانين وهذا قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة .

                    والقول الرابع : أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط ، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره .

                    وعلى القول الأول : هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل ؟ فيه قولان : أحدهما : " يجوز ، كقتل الجاسوس المسلم ، إذا اقتضت المصلحة قتله " ، وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد ، واختاره ابن عقيل .

                    وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة ، كالتجهم والرفض ، وإنكار القدر . وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري ، لأنه كان داعية إلى بدعته .

                    وهذا مذهب مالك رحمه الله وكذلك قتل من لا يزول فساده إلا بالقتل . وصرح به أصحاب أبي حنيفة في قتل [ ص: 95 ] اللوطي إذا أكثر من ذلك تعزيرا وكذلك قالوا : إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرا ، وإن كان أبو حنيفة لا يوجب الحد في هذا ، ولا القصاص في هذا ، وصاحباه يخالفانه في المسألتين ، وهما مع جمهور الأمة .

                    والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم يوافق القول الأول فإن { النبي صلى الله عليه وسلم : أمر بجلد الذي وطئ جارية امرأته - وقد أحلتها له - مائة } .

                    وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما : " أمرا بجلد من وجد مع امرأة أجنبية في فراش مائة جلدة " .

                    وعلى هذا : يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد في الثالثة - أو في الرابعة - فاقتلوه } فأمر بقتله إذا أكثر منه ، ولو كان ذلك حدا لأمر به في المرة الأولى . وأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده - وقد كتمه وأنكره - فيضرب ليقر به . فهذا لا ريب فيه .

                    فإنه ضرب ليؤدي الواجب الذي يقدر على وفائه كما في حديث ابن عمر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء ، سأل زيد بن سعيد عم حيي بن أخطب - فقال : أين كنز حيي ؟ فقال : يا محمد أذهبته النفقات ، فقال للزبير : دونك هذا ، فمسه الزبير بشيء من العذاب ، فدلهم عليه في خربة ، وكان حليا في مسك ثور } فهذا أصل في ضرب المتهم .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية