الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 502 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز للمرأة أن تعتكف بغير إذن الزوج ، لأن استمتاعها ملك للزوج ، فلا يجوز إبطاله عليه بغير إذنه ، ولا يجوز للعبد أن يعتكف بغير إذن مولاه ، لأن منفعته للمولى فلا يجوز إبطالها عليه بغير إذنه ، فإن نذرت المرأة الاعتكاف بإذن الزوج أو نذر العبد الاعتكاف بإذن مولاه نظرت - فإن كان غير متعلق بزمان بعينه - لم يجز أن يدخل فيه بغير إذنه ، لأن الاعتكاف ليس على الفور وحق الزوج والمولى على الفور ، فقدم على الاعتكاف ، وإن كان النذر متعلقا بزمان جاز أن يدخل فيه بغير إذنه ، لأنه تعين عليه فعله بإذنه ، وإن اعتكفت المرأة بإذن زوجها أو العبد بإذن مولاه ، نظرت فإن كان في تطوع جاز له أن لا يخرجه منه ; لأنه لا يلزمه بالدخول فجاز إخراجه منه وإن كان في فرض متعلق بزمان بعينه لم يجز إخراجه منه ; لأنه تعين عليه فعله في وقته فلا يجوز إخراجه منه ، وإن كان في فرض غير متعلق بزمان بعينه ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا يجوز إخراجه منه ، لأنه وجب إذنه ودخل فيه بإذنه فلم يجز إخراجه منه .

                                      ( والثاني ) إن كان متتابعا لم يجز إخراجه منه ، لأنه لا يجوز له الخروج فلا يجوز إخراجه منه كالمنذور في زمن بعينه ، وإن كان غير متتابع جاز إخراجه منه ; لأنه يجوز له الخروج منه فجاز إخراجه منه كالتطوع . وأما المكاتب فإنه يجوز له أن يعتكف بغير إذن المولى ; لأنه لا حق للمولى في منفعته فجاز أن يعتكف بغير إذنه كالحر . ومن نصفه حر ونصفه عبد ينظر فيه - فإن لم يكن بينه وبين المولى مهايأة - فهو كالعبد ، وإن كان بينهما مهايأة فهو في اليوم الذي هو للمولى كالعبد ، لأن حق السيد متعلق بمنفعته ، وفي اليوم الذي له كالمكاتب ; لأن حق المولى [ لا ] يتعلق بمنفعته ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) في الفصل مسائل : ( إحداها ) قد سبق أن يصح اعتكاف المرأة والعبد ، لكن لا يجوز اعتكافهما بغير إذن الزوج والسيد ، لما ذكره المصنف ، فإن اعتكفا بغير إذنهما كان لهما إخراجهما منه بلا خلاف ، وإن نذر الاعتكاف بإذن الزوج أو المولى - فإن كان متعلقا بزمان معين - جاز لهما الدخول فيه بلا إذن ; لأن الإذن في النذر المعين إذن في الدخول فيه ، وإن كان غير متعلق بزمان معين لم يجز دخولهما فيه بغير إذن لما ذكره المصنف . [ ص: 503 ] الثانية ) إذا دخلت المرأة أو العبد في الاعتكاف فإن كان الاعتكاف تطوعا أذن الزوج والمولى فيه أو لم يأذنا ، جاز لهما إخراجهما منه بلا خلاف عندنا . وقال مالك : لا يجوز إن أذنا فيه . وقال أبو حنيفة : يجوز للسيد دون الزوج . دليلنا ما ذكره المصنف ، وإن دخلا في اعتكاف منذور ، فإن نذره بغير إذن الزوج والسيد فلهما المنع من الشروع فيه ، فإن شرعا فلهما إخراجهما منه ، فإن أذنا في الشروع ، وكان الزمان متعينا أو غير متعين ، ولكن شرطا التتابع فيه ، لم يجز لهما إخراجهما ; لأن المتعين لا يجوز تأخيره والمتتابع لا يجوز الخروج منه ، لأنه يتضمن إبطاله ولا يجوز إبطال العبادة الواجبة بعد الدخول فيها بلا عذر ، وإن أذنا في الشروع - والزمان غير متعين - ولا شرطا التتابع فلهما إخراجهما منه على أصح الوجهين وبه قطع المتولي . وقد ذكر المصنف دليلهما .

                                      هذا كله إذا نذر بغير إذن الزوج والسيد ، فإن نذر بإذنهما فقد سبق أنه إن تعلق بزمن معين فلهما الشروع فيه بغير إذن ، وإلا فلا ، وإذا شرعا فيه بلا إذن لم يجز للزوج والسيد الإخراج منه ، هكذا ذكر المسألة بفروعها أصحابنا العراقيون ، وهي مفرعة على أن النذر المطلق إذا شرع فيه لزمه إتمامه ، وفيه خلاف سبق في آخر كتاب الصيام ، وفي آخر باب مواقيت الصلاة ، وسواء في كل هذا العبد المدبر والقن وأم الولد والأمة القنة .

                                      ( الثالثة ) المكاتب له الاعتكاف بغير إذن سيده على الصحيح ، وبه قطع المصنف والجمهور ، وفيه وجه حكاه الخراسانيون أنه لا يجوز إلا بإذن سيده ، لأنه قد يعجز نفسه فتعود منافعه وكسبه لسيده ، وهو مذهب أبي حنيفة . وأما من بعضه رقيق وبعضه حر - فإن لم يكن بينه وبين مولاه مهايأة - فهو كالعبد القن ، وإن كان مهايأة فهو في نوبة نفسه كالحر ، وفي نوبة سيده كالعبد القن والمهايأة بالهمز في آخرها ، وهي المناوبة . وقول المصنف ( أنه لا يلزم بالدخول ) احتراز من الحج والعمرة إذا أذن الزوج والسيد فيهما فلا يجوز لهما الإخراج منهما ; لأنهما يلزمان بالشروع ، وكذا الجمعة في حقهما في أحد الوجهين . [ ص: 504 ] فرع ) لو نذر العبد اعتكافا في زمن معين بإذن سيده فباعه . قال المتولي : ليس للمشتري منعه من الاعتكاف ; لأنه صار مستحقا قبل ملكه ، لكن إن جهل ذلك فله الخيار في فسخ البيع .




                                      الخدمات العلمية