الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وملك المورث لم يقض لوارثه بلا جر إلا أن يشهدا بملكه أو يده أو يد مستعيره وقت الموت ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف هو يقول : إن ملك الوارث ملك المورث فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة للوارث وهما يقولان إن ملك الوارث متجدد في حق العين حتى يجب عليه الاستبراء في الجارية الموروثة ويحل للوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير فلا بد من النقل إلا أنه يكتفى بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال ضرورة وكذا على قيام يده لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان والأمانة تصير مضمونة بالتجهيل فصار بمنزلة الشهادة على قيام ملكه وقت الموت والمراد بالمستعير الأمين مستعيرا أو مودعا أو مستأجرا لأن يده قائمة مقام يده فأغنى ذلك عن الجر والنقل ولو قال : أو يد من يقوم مقامه لكان أولى ليشمل الأمين وغيره كالغاصب والمرتهن فالجر أن يقول الشاهد : مات وتركها ميراثا له أو ما يقوم مقامه من إثبات ملكه وقت الموت أو إثبات يده أو يد من قام مقامه فإذا أثبت الوارث أن العين كانت لمورثه لا يقضى له وهو محل الاختلاف بخلاف الحي إذا أثبت أن العين كانت له فإنه يقضى له بها اعتبارا للاستصحاب إذ الأصل البقاء .

                                                                                        وكذا إذا أقام البينة أنه اشتراها من فلان فإنه يكفي ولا يحتاج إلى إثبات ملك البائع وقته لأن الشراء موضوع للملك بخلاف الموت فإنه مزيل له ولذا لم يصح التعليق بقوله للوارث إن مات سيدك فأنت حر ثم اعلم أن القضاء للوارث لا بد فيه للمشهود من الجر كما قدمناه ولا بد فيه من بيان سبب الوراثة فإذا شهدوا أنه أخوه فلا بد فيه من بيان أنه أخوه لأبيه وأمه أو لأحدهما وفي البزازية وكذا إذا شهدوا أنه عمه أو مولاه لم تقبل لأن المولى مشترك فإن قالا : هو مولاه أعتقه ولا نعلم له وارثا غيره فحينئذ تقبل وفي الظهيرية ادعى أنه وارث فلان الميت وأقام شاهدين فشهدا أنه وارث فلان الميت لا وارث له سواه فإن القاضي يسألهما عن النسب ولا يقضي قبل السؤال ولو أقام المدعي بينة أنه وارث فلان وأن قاضي بلد كذا فلان بن فلان قضى بأنه وارثه لا وارث له غيره وأشهدنا على قضائه ولا ندري بأي سبب قضى فإن القاضي يسأل المدعي عن النسب الذي قضى له القاضي به فإن بين قضى له بالميراث لأن قضاء القاضي يحمل على الصحة والسداد ما أمكن ولا ينقض بالشك ولا يقضي بالنسب الذي بين المدعي لأن هذا القاضي .

                                                                                        [ ص: 119 ] لا يدري أن القاضي الأول هل قضى بذلك النسب أم لا ا هـ .

                                                                                        وفيها من كتاب الدعوى والابن إذا ادعى دارا بجهة الوراثة فشهد الشهود أنها كانت دارا لأبيه وقت الموت ولم يقولوا في شهادتهم وهو ابنه ووارثه قال بعضهم : لا تصح هذه الشهادة فإن محمدا رحمه الله تعالى ذكر في الزيادات وشهدوا أنه ابنه ووارثه قالوا : إنما ذكر ذلك لإزالة وهم الرضاع والأصح أن قوله ووارثه اتفاقا ولا معول عليه فإنه ذكر في الأب والأم وهو أبوه وأمه وجوز الشهادة وإن لم يذكر ووارثه فإن ادعى أنه عم الميت يشترط لصحة الدعوى أن يفسر فيقول عمه لأبيه وأمه أو لأبيه أو لأمه ويشترط أيضا أن يقول ووارثه وإذا أقام البينة لا بد للشهود من نسبة الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد وكذلك هذا في الأخ والجد ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية وكذا إذا شهدوا أنه ابن ابنه أو بنت ابنه لا بد أن يقولوا : إنه وارثه وقيد بالملك لأن إثبات شراء المورث لا يتوقف على الجد لما في الظهيرية ادعى دارا في يد رجل أن أباه اشتراها من ذي اليد بألف درهم ومات أبوه فجحد البائع ذلك صح دعواه وإن لم يذكر في دعواه أن أباه مات وتركها ميراثا له وهو الذي يقال : الجر شرط عند أبي حنيفة ومحمد لصحة الدعوى ثم القاضي يسأل البينة فإذا أقام البينة على ذلك وقالوا : لا نعلم له وارثا غيره يقضي القاضي بالبينة ويأمر المدعي أن ينقد الثمن ولو كانت الدار في يد رجل آخر غير البائع لا بد من الجر لصحة الدعوى . ا هـ .

                                                                                        وبه ظهر أن الجر شرط صحة الدعوى لا كما يتوهم من كلام المصنف من أنه شرط القضاء بالبينة فقط ومن شرط قبول الشهادة بالميراث أن يدرك الشاهد الميت ولذا قال في البزازية : شهدا أن فلان بن فلان مات وترك هذه الدار ميراثا ولم يدركا الميت فشهادتهما باطلة لأنهما شهدا بملك لم يعاينا سببه ولا رأياه في يد المدعي كذا في البزازية ومن الشروط قول الشاهد لا وارث له غيره وفي البزازية ويشترط ذكر لا وارث له غيره لإسقاط التلوم عن القاضي وقوله لا أعلم له وارثا غيره عندنا بمنزلة ولا وارث له غيره ولو قال : لا وارث له غيره بأرض كذا تقبل عنده خلافا لهما ا هـ ولا يشترط ذكر اسم الميت حتى لو شهدوا أنه جده أبو أبيه ووارثه ولم يسم الميت تقبل بدون ذكر اسم الميت وفي الأقضية شهدا بأنه جد الميت وقضي له به ثم جاء آخر وادعى أنه أبو الميت وبرهن فالثاني أحق بالميراث شهدا أنه أخو الميت وقضي له به ثم شهد هذان لآخر على أنه ابن الميت أيضا لا يبطل القضاء الأول بل يضمنان للثاني ما أخذ الأول من الميراث كذا في البزازية .

                                                                                        ( قوله ولو شهدا بيد حي منذ شهر ردت ) وعن أبي يوسف أنها تقبل لأن اليد مقصودة كالملك ولو شهدوا أنها ملكه تقبل فكذا هذا وصار كما لو شهدوا بالأخذ من المدعي ووجه الظاهر وهو قولهما أن الشهادة قامت بمجهول لأن اليد منقضية وهي متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان فتعذر القضاء بإعادة المجهول بخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف وبخلاف الأخذ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد وقوله منذ شهر ليس بقيد فإن الخلاف ثابت فيما لم يذكره فإنه ذكر الإمام التمرتاشي لو شهدوا لحي أن العين كان في يده لم تقبل لأن اليد محتملة يد غصب أو يد ملك فإن كانت يد غصب عن ذي اليد لا تجب إعادته وإن كانت يد ملك تجب فلا تجب بالشك كذا في النهاية وجامع الفصولين ( قوله ولو أقر المدعى عليه بذلك أو شهد شاهدان أنه أقر أنه كان في يد المدعي دفع إلى المدعي ) لأن الإقرار معلوم فتصح الشهادة به وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار وفي البزازية الأصل في باب الشهادة أن الشهادة بالملك المنقضي مقبولة لا باليد المنقضية لأن الملك لا يتنوع واليد تتنوع باحتمال أنه كان له فاشتراه منه ا هـ .

                                                                                        قيد بالإقرار باليد مقصودا لأنه لو أقر له بها ضمنا لم تدفع إليه كما سيأتي في الإقرار .

                                                                                        وإنما قال : دفع إليه دون أن يقول : إنه إقرار بالملك له لأنه لو برهن على أنه ملكه فإنه يقبل لما في جامع الفصولين أخذ عينا من يد آخر وقال : إني أخذته من يده لأنه كان ملكي وبرهن على ذلك تقبل لأنه وإن كان ذا يد بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن ذا اليد في الحقيقة هو الخارج ولو أقر المدعى [ ص: 120 ] عليه إني أخذته من المدعي لأنه كان ملكي فلو كذبه المدعي في الأخذ منه لا يؤمر بالتسليم إلى المدعي لأنه رد إقراره وبرهن على ذي اليد ولو صدقه يؤمر بتسليمه إلى المدعي فيصير المدعي ذا يد فيحلف أو يبرهن الآخر ا هـ .

                                                                                        وقيد بكونه أقر أنه كان بيده لأنه لو أقر أنه كان بيد المدعي بغير حق ففيه اختلاف قيل : هو إقرار له باليد وبه يفتى وقيل : لا إلا أن يقر أنه كان بيده بحق كذا في جامع الفصولين وقيد بالإقرار بكونه في يد المدعي لأنه لو ادعى عقارا فأقر المدعى عليه أنه بيده لم تقبل حتى يبرهن المدعي أو يعلم القاضي بخلاف المنقول وسيأتي في الدعوى إن شاء الله تعالى والله أعلم .

                                                                                        [ ص: 118 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 118 ] ( قوله فالجر أن يقول الشاهد إلخ ) أشار إلى أن الجر يكون نصا ويكون غيره بذكر ما يقوم مقامه وذلك بإثبات الملك أو اليد وقت الموت ( قوله وهو محل الاختلاف ) يعني أنهما لو شهدا أنها كانت لمورثه بدون إضافة الملك إلى وقت الموت فهو محل الاختلاف بين أبي يوسف وصاحبيه فعنده يكفي ذلك وعندهما لا ولما طولبا بالفرق بين هذا وبين الحي إذا ادعى ملك عين في يد رجل فشهدا بأنها كانت ملك المدعي أو شهدا لمدعي عين في يد إنسان أنه اشتراها من فلان الغائب ولم يقم بينة على ملك البائع وذو اليد ينكر ملك البائع فإنه يقضى للمشتري وإن لم ينصوا على أنها ملكه يوم البيع مع أن كلا من الشراء والإرث يوجب تجدد الملك أشار إلى الجواب بقوله بخلاف الحي إلخ وبيانه على ما في فتح القدير أنهما إذا لم ينصا على ثبوت ملكه حالة الموت فإنما يثبت بالاستصحاب والثابت به حجة لإبقاء الثابت لا لإثبات ما لم يكن وهو المحتاج إليه في الوارث بخلاف مدعي العين فإن الثابت بالاستصحاب بقاء ملكه لا تجدده والملك في الشراء مضاف إليه لا إلى ملك البائع لأن الشراء آخرهما وجودا وهو سبب موضوع للملك حتى لا يتحقق لو لم يوجبه والشراء ثابت بالبينة أما هنا فثبوت ملك الوارث مضاف إلى كون المال ملكا للميت وقت الموت لا إلى الموت لأنه ليس سببا موضوعا للملك بل عنده يثبت إن كان له مال فارغ [ ص: 119 ] ( قوله لا كما يتوهم من كلام المصنف ) فيه أن قوله بلا جر يشمل الجر من المدعي والشاهد على أن الكلام في الشهادات لا في الدعاوى ( قوله ومن الشروط قول الشاهد لا وارث له غيره ) ظاهره أنه شرط لقبول الشهادة والحكم بها والمراد أنه شرط لقبولها في الحال بدليل قوله لإسقاط التلوم والمراد بالتلوم تأخير القضاء مدة حتى يغلب على ظنه أنه لا وارث له كما أفاده في متفرقات القضاء عند قوله تركة قسمت بين الورثة أو الغرماء إلخ وتمام المسألة هناك عن شرح أدب القضاء فراجعها




                                                                                        الخدمات العلمية