الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4411 [ 2310 ] وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم".

                                                                                              قال ابن وهب: تفسير محدثون: ملهمون. رواه أحمد ( 6 \ 55 )، ومسلم (2398)، والترمذي (3693)، والنسائي في الكبرى (8120).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: " قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون ") " كان " الأولى: بمعنى الأمر والشأن، أي: كان الأمر والشأن، وهي نحو ليس في قولهم: ليس خلق الله مثله. وتكون الثانية ناقصة، واسمها محدثون، وخبرها في المجرور، ويصح أن تكون تامة، وما بعدها أحوال. ومحدثون - بفتح الدال - هي الرواية اسم مفعول، وقد فسر ابن وهب المحدثين بالملهمين، أي: يحدثون في ضمائرهم بأحاديث صحيحة، هي من نوع الغيب، فيظهر على نحو ما وقع لهم، وهذه كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من صالحي عباده، ومن هذا النوع ما يقال عليه: فراسة وتوسم، كما قد رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله "، ثم قرأ: إن في ذلك لآيات للمتوسمين ، [الحجر: 75] وقد تقدم القول في نحو هذا، وقد قال [ ص: 260 ] بعضهم: إن معنى محدثين: مكلمون، أي: تكلمهم الملائكة.

                                                                                              قلت: وهذا راجع لما ذكرته، غير أن ما ذكرته أعم، فقد يخلق الله تعالى الأحاديث بالغيب في القلب ابتداء من غير واسطة ملك، وقال بعضهم: إن معناه أنهم مصيبون فيما يظنونه، وإليه ذهب البخاري ، وهذا نحو من الأول، غير أن الأول أعم، والله أعلم.

                                                                                              و (قوله: " فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر ") دليل على قلة وقوع هذا وندوره، وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبين فيما يظنون؛ لأن هذا كثير في العلماء والأئمة الفضلاء، بل: وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر، وخصوصية عمر رضي الله عنه بذلك، ومعنى هذا الخبر قد تحقق، ووجد في عمر قطعا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم فيه بالوقوع، ولا صرح فيه بالأخبار؛ لأنه إنما ذكره بصيغة الاشتراط، وقد دل على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة عنه، كقصة: الجبل يا سارية، وغيره، وأصح ما يدل على ذلك: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، كما رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعا: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما [ ص: 261 ] نزل بالناس أمر قط قالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال فيه عمر . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: " وافقت ربي في ثلاث ... " الحديث. وقد ادعى هذا الحال كثير من أهل المحال، لكن تشهد بالفضيحة شواهد صحيحة.




                                                                                              الخدمات العلمية