الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن قال قاض عزل لرجل أخذت منك ألفا ودفعته إلى زيد قضيت به عليك فقال الرجل أخذته ظلما فالقول للقاضي وكذا لو قال قضيت بقطع يدك في حق إذا كان المقطوع يده والمأخوذ منه ماله مقرا أنه فعله وهو قاض ) ; لأنهما لما توافقا أنه فعل ذلك في قضائه كان الظاهر شاهدا له إذ القاضي لا يقضي بالجور ظاهرا ولا يمين عليه ; لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي وأشار المؤلف إلى عدم الضمان على القاطع والآخذ لو أقر بما أقر به القاضي وقيد بإقراره أنه فعله وهو قاض ; لأن المقطوع يده والمأخوذ ماله لو زعما أنه فعل قبل التقليد أو بعد العزل ففيه اختلاف والأصح أن القول للقاضي ; لأنه أسند فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان فصار كما إذا قال طلقت أو أعتقت وأنا مجنون وجنونه معهود ولو أقر القاطع والآخذ في هذا الفصل بما أقر به القاضي يضمنان ; لأنهما أقرا بسبب الضمان وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان عن غيره بخلاف الأول ; لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولو كان المال في يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو لا يؤخذ منه ; لأنه أقر أن اليد كان له فلا يصدق في دعوى التملك إلا بحجة وقول المعزول ليس بحجة فيه .

                                                                                        ثم اعلم أن الأصل أن المقر إذا أسند إقراره إلى حالة منافية للضمان من كل وجه فإنه لا يلزمه شيء منها ما ذكرناه ومنها لو قال العبد لغيره بعد العتق قطعت يدك وأنا عبد فقال المقر له بل قطعتها وأنت حر فالقول للعبد ومنها ما لو قال المولى لعبد قد أعتقه أخذت منك غلة كل شهر خمسة دراهم وأنت عبد فقال المعتق أخذتها بعد العتقكان القول للمولى ومنها الوكيل بالبيع إذا قال بعت وسلمت قبل العزل وقال الموكل بعد العزل فالقول للوكيل إن كان المبيع مستهلكا وإن كان قائما فالقول للموكل ; لأنه أخبر عما لا يملك الإنشاء وكذا في مسألة الغلة لا يصدق في الغلة القائمة ; لأنه أقر بالأخذ وبالإضافة يدعي عليه التمليك ومنها لو قال الوصي بعدما بلغ اليتيم أنفقت عليك كذا وكذا من المال وأنكر اليتيم كان القول للوصي لكونه أسنده إلى حالة منافية للضمان وأورد في النهاية على هذا الأصل ما إذا أعتق أمته ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي فقالت هي قطعتها وأنا حرة فالقول لها وكذا في كل شيء أخذه منها عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه منكر للضمان بإسناد الفعل إلى حالة منافية للضمان فأجاب بالفرق من حيث إن المولى أقر بأخذ مالها ثم ادعى التمليك لنفسه فيصدق في إقراره ولا يصدق في دعواه التمليك له وكذا لو قال لرجل أكلت طعامك بإذنك فأنكر الإذن يضمن المقر وذكر الشارح أن هذا الفرق غير مخلص وهو كما قال .

                                                                                        وقد خرج هذا الفرع ونحوه [ ص: 55 ] بما زدناه على القاعدة من قولنا من كل وجه ; لأن كونها أمة له لا ينفي الضمان عنه من كل وجه ; لأنه يضمن فيما لو كانت مرهونة أو مأذونة مديونة فلم يرد وأصل المسألة في المجمع من الإقرار قال ولو أقر حربي أسلم بأخذ مال قبل الإسلام أو بإتلاف خمر بعده أو مسلم بمال حربي في دار الحرب أو بقطع يد معتقة قبل العتق فكذبوه في الإسلام أفتي بعدم الضمان في الكل قال المصنف في شرحه وقالا يضمن ; لأنه أسنده إلى حالة قد يجامعها الضمان في الجملة فلا يبرأ بهذا الإسناد في البزازية صب دهنا لإنسان عند الشهود فادعى مالكه ضمانه فقال كانت نجسة لوقوع فأرة فالقول للمصاب لإنكاره الضمان والشهود يشهدون على الصب لا على عدم النجاسة وكذا لو أتلف لحم طواف فطولب بالضمان فقال كانت ميتة فأتلفتها لا يصدق وللشهود أن يشهدوا أنه لحم ذكي بحكم الحال وقال القاضي لا يضمن فاعترض عليه بمسألة كتاب الاستحسان وهي أن رجلا لو قتل رجلا قال كان ارتد أو قتل أبي فقتلته قصاصا أو للردة لا يسمع فأجاب وقال ; لأنه لو قبل لأدى إلى فتح باب العدوان فإنه يقتل ويقول كان القتل لذلك وأمر الدم عظيم فلا يهمل بخلاف المال فإنه بالنسبة إلى الدم أهون حتى حكم في المال بالنكول وفي الدم حبس حتى يقر أو يحلف واكتفى باليمين الواحدة في المال وبخمسين يمينا في الدم ا هـ . والله تعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وذكر الشارح أن هذا الفرق غير مخلص ) قال في الحواشي السعدية لعدم جريانه في صورة النزاع في أخذ غلة العبد وقطع يد الأمة كما لا يخفى [ ص: 55 ] ( قوله فالقول للمصاب إلخ ) ظاهره أن القول له في عدم الضمان وليس كذلك بل القول قوله في كونه متنجسا وأما الضمان فلا فيضمن قيمته متنجسا قال الشيخ شرف الدين الغزي وقد أوضحناه في تنوير البصائر على الأشباه أبو السعود وعليه فقوله لإنكاره الضمان معناه ضمان المثل .




                                                                                        الخدمات العلمية