الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2057 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا رقية إلا من عين أو حمة قال أبو عيسى وروى شعبة هذا الحديث عن حصين عن الشعبي عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( لا رقية إلا من عين أو حمة ) ليس معناه أنه لا يجوز الرقية من غيرهما لأنه قد ثبت الرقية من غيرهما إنما معناه لا رقية أولى وأنفع منهما ، والحديث أخرجه أيضا أحمد وأبو داود .

                                                                                                          قوله : ( وروى شعبة هذا الحديث عن حصين عن الشعبي عن بريدة ) ، ووقع في بعض النسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله بعد قوله عن بريدة ، قال البخاري في صحيحه في باب من اكتوى : حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل قال حدثنا حصين عن عامر عن عمران بن حصين قال : " لا رقية إلا من عين أو حمة " فذكرته لسعيد بن جبير ، فقال حدثنا ابن عباس فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي الأمم الحديث ، قال الحافظ : قوله عن عمران بن حصين قال : " لا رقية إلا من عين أو حمة " ، كذا رواه محمد بن فضيل عن حصين موقوفا ، ووافقه هشيم وشعبة عن حصين على [ ص: 182 ] وقفه ، ورواية هشيم عند أحمد ومسلم ورواية شعبة عند الترمذي تعليقا ووصلها ابن أبي شيبة ولكن قالا عن بريدة بدل عمران بن حصين ، وخالف الجميع مالك بن مغول عن حصين فرواه مرفوعا وقال عن عمران بن حصين أخرجه أحمد وأبو داود ، وكذا قال ابن عيينة عن حصين أخرجه الترمذي ، وكذا قال إسحاق بن سليمان عن حصين أخرجه ابن ماجه ، انتهى .

                                                                                                          وأحاديث الباب تدل على جواز الرقية فهي مخالفة لأحاديث النهي المتقدمة في الباب المتقدم .

                                                                                                          قال الحافظ ابن الأثير الجزري في النهاية : وجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة ، وأن يعتقد أن الرقية نافعة لا محالة فيتكل عليها وإياها أراد بقوله : ما توكل من استرقى ، ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المروية ، ولذلك قال للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجرا من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق ، وكقوله في حديث جابر إنه عليه الصلاة والسلام قال : اعرضوها علي فعرضناها فقال : لا بأس بها إنما هي مواثيق كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية ، وما كان بغير اللسان العربي مما لا يعرف له ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله ، وأما قوله : لا رقية إلا من عين أو حمة فمعناه لا رقية أولى وأنفع ، وهذا كما قيل لا فتى إلا علي ، وقد أمر عليه الصلاة والسلام غير واحد من أصحابه بالرقية وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم .

                                                                                                          وأما الحديث الآخر في صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ، فهذه من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها ، وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم ، فأما العوام فمرخص لهم في التداوي والمعالجات ، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص ، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء ، ألا ترى أن الصديق لما تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه علما منه بيقينه وصبره ، ولما أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذهب وقال لا أملك غيره ضربه به بحيث لو أصابه لعقره ، وقال فيه ما قال ، انتهى ما قاله الجزري في النهاية .




                                                                                                          الخدمات العلمية