الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4136 (20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

                                                                                              [ 2172 ] عن عبد الله بن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون به، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون.

                                                                                              وفي رواية: وقال الله: حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق .

                                                                                              رواه مسلم (2229) (124).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (20) ومن باب رمي الشياطين بالنجوم

                                                                                              قوله: " لكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش " أي: أظهر قضاءه وما حكم به لملائكته؛ لأن قضاءه إنما هو راجع إلى سابق علمه ونفوذ مشيئته وحكمه، وهما أزليان، فإذا اطلع حملة العرش على ما سبق في علمه خضعت الملائكة لعظمته، وضجت بتسبيحه وتقديسه، فيسمع ذلك أهل السماء التي [ ص: 638 ] تليهم، وهكذا ينتهي التسبيح لملائكة سماء الدنيا، ثم يتساءلون فيما بينهم: ماذا قال ربكم؟ على الترتيب المذكور في الحديث.

                                                                                              ففيه ما يدل على أن حملة العرش أفضل الملائكة وأعلاهم منزلة، وأن فضائل الملائكة على حسب مراتبهم في السماوات، وأن الكل منهم لا يعلمون شيئا من الأمور إلا بأن يعلمهم الله تعالى به، كما قال تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول .

                                                                                              وفيه ما يدل على أن علوم الملائكة بالكائنات يستفيده بعضهم من بعض إلا حملة العرش; فإنهم يستفيدون علومهم من الحق سبحانه وتعالى، فإنهم هم المبدوؤون بالإعلام أولا، ثم إن ملائكة كل سماء تستفيد من التي فوقها، وفي هذا دليل على أن النجوم لا يعرف بها علم الغيب ولا القضاء، ولو كان كذلك لكانت الملائكة أعلم بذلك وأحق به، وكل ما يتعاطاه المنجمون من ذلك فليس شيء منه علما يقينا، وإنما هو رجم بظن وتخمين بوهم، الإصابة فيه نادرة، والخطأ والكذب فيه غالب، وهذا مشاهد من أحوال المنجمين، والمطلوب من العلوم النجوميات ما يهتدى به في الظلمات وتعرف به الأوقات، وما سوى ذلك فمخارق وترهات، ويكفي في الرد عليهم ظهور كذبهم واضطراب قولهم، وقد اتفقت الشرائع على أن القضاء بالنجوم محرم مذموم.

                                                                                              وقوله: " ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون " هكذا عند ابن ماهان ، وهو من القرف وهو الخلط - قاله صاحب الأفعال; أي: يخلطون فيها من الكذب.

                                                                                              [ ص: 639 ] ورواه يونس " يرقون " بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف، وفي بعض النسخ "يرقون" بفتح الياء وتسكين الراء وتخفيف القاف; أي يتقولون، يقال: رقي فلان على الباطل; أي: تقوله - بكسر القاف، وهو من الرقي وهو الصعود; أي: إنهم يقولون فوق ما سمعوا - قاله القاضي عياض .

                                                                                              وقوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق ، قرأه ابن عامر ويعقوب "فزع عن قلوبهم" مبنيا للفاعل، ويكون فيه ضمير يعود على الله تعالى; أي: أزال عن قلوبهم الفزع، وهذا على نحو قولهم: مرضت المريض - إذا عالجته فأزلت مرضه. وقرأه الجماعة "فزع" بضم الفاء مبنيا للمفعول الذي لم يسم فاعله; أي: أزيل عن قلوبهم الفزع، وهو الذعر على كلتا القراءتين.

                                                                                              قال كعب : إذا تكلم الله بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعا، ثم قالوا فيما بينهم: ماذا قال ربكم ؟

                                                                                              وقوله: قالوا الحق بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف; أي: قال القول الحق، وهو مفعول مطلق لا مفعول به; لأن القول لا يتعدى إلا إلى الجمل في أكثر قول النحويين.

                                                                                              وقوله: وهو العلي الكبير ; أي: العلي شأنه، الكبير سلطانه.

                                                                                              قلت: وهذا التفسير هو الموافق لهذا الحديث، فتعين أن يكون هو المراد من الآية، وللمفسرين أقوال أخر بعيدة عن معنى الحديث أضربت عنها لذلك، فمن أرادها وجدها في كتبهم.



                                                                                              الخدمات العلمية