الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              [ 2164 ] ونحوه عن أنس.

                                                                                              رواه البخاري (5756 و 5776) ومسلم (2204) (111 و 112) وأبو داود (3916) والترمذي (1615).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (18) ومن باب الفأل الصالح

                                                                                              قوله صلى الله عليه وسلم " لا طيرة، وخيرها الفأل " حاصل الطيرة أن يسمع الإنسان قولا أو يرى أمرا يخاف منه ألا يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله، والفأل نقيض ذلك، وهو أن يسمع الإنسان قولا حسنا أو يرى شيئا يستحسنه يرجو منه [ ص: 627 ] أن يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله، وهذا معنى ما فسر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الفأل، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الطيرة ويعجبه الفأل.

                                                                                              وروى الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع: يا راشد! يا نجيح ! وهو حديث حسن صحيح غريب.

                                                                                              وروى أبو داود عن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث غلاما سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإذا أعجبه اسمها فرح بها ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم.

                                                                                              وروى قاسم بن أصبغ عن بريدة بن حصيب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتطير، ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم يتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنت؟" فقال: بريدة . فالتفت إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فقال: "برد أمرنا وصلح" ثم قال: " ممن؟ " قال: من أسلم . قال لأبي بكر : " سلمنا " ثم قال: " ممن؟ " قال: من بني سهم قال: " خرج سهمنا " وذكر الحديث.

                                                                                              وإنما كان يعجبه الفأل؛ لأنه تنشرح له النفس وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ الأمل، فيحسن الظن بالله عز وجل، وقد قال الله تعالى: "أنا عند ظن [ ص: 628 ] عبدي بي" وإنما كان يكره الطيرة؛ لأنها من أعمال أهل الشرك ولأنها تجلب ظن السوء بالله تعالى، كما قد روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " الطيرة شرك - ثلاثا - وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل" أي: من اعتقد في الطيرة ما كانت الجاهلية تعتقده فيها فقد أشرك مع الله تعالى خالقا آخر، ومن لم يعتقد ذلك فقد تشبه بأهل الشرك، ولذلك قال "وما منا" أي: ليس على سنتنا.

                                                                                              وقوله "إلا" هي إلا الاستثنائية، ومعنى ذلك أن المتطير ليس على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يمضي لوجهه ويعرض عنها، غير أنه قد لا يقدر على الانفكاك عنها بحيث لا تخطر له مرة واحدة، فإن إزالة تأثيرها من النفوس لا تدخل تحت استطاعتنا، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاوية بن الحكم - لما قال له: ومنا رجال يتطيرون - فقال: "ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم" وفي بعض النسخ "فلا يضرهم" لكنه إذا صح تفويضه إلى الله تعالى وتوكله عليه وداوم على ذلك أذهب الله تعالى ذلك عنه، ولذلك قال: "ولكن الله يذهبه بالتوكل" وقد روى أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا".




                                                                                              الخدمات العلمية