الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4102 [ 2153 ] وعن أم قيس بنت محصن أخت عكاشة قالت: دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام، فبال عليه فدعا بماء فرشه. قالت: ودخلت عليه بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة فقال: علامه تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟! عليكن بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية; منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب.

                                                                                              وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علامه تدغرن أولادكن بهذا الإعلاق؟ عليكم بالعود الهندي - يعني به الكست. قال يونس: أعلقت غمزت، فهي تخاف أن تكون به عذرة.

                                                                                              رواه البخاري (5715) ومسلم (287) (86) و(2214) و(2214) (87).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول أم قيس " دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة " كذا وقع هذا اللفظ في كتاب مسلم " أعلقت عليه " بلا خلاف فيه، ووقع في البخاري باختلاف; ففي رواية معمر وغيره كما في كتاب مسلم ، وفي رواية سفيان بن عيينة "أعلقت عنه" قال الخطابي : وهو الصواب - وإلى ذلك أشار ابن الأعرابي .

                                                                                              و " العذرة " وجع الحلق، فخافت أن يكون به ذلك، فرفعت لهاته بأصبعها. وقال الأصمعي : العذرة قريب من اللهاة. وفي البارع: العذرة [ ص: 603 ] اللهاة. وقد تقدم أن اللهاة اللحمة الحمراء التي في آخر الفم وأول الحلق، والنساء ترفعها بأصابعهن، فنهاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لما فيه من تعذيب الصبي، ولعل ذلك يزيد في وجع اللهاة.

                                                                                              وقوله: " علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟! "تدغرن: الرواية الصحيحة فيه بالدال المهملة والغين المعجمة - لا يجوز غيره، ومعناه هنا رفع اللهاة، وأصله الرفع، ومنه قول العرب: دغرى لا صفى، ودغرا لا صفا - منونا وغير منون، يقولون هذا في الحرب; أي: ادفعوا عليهم ولا تصطفوا لهم.

                                                                                              و " العلاق " الرواية فيه بكسر العين، ووقع في بعض النسخ "الأعلاق" وهو الصواب قياسا; لأنه مصدر أعلقت، وهو المعروف لغة.

                                                                                              ومقصود هذا الاستفهام الإنكار على النساء في فعل ذلك بأولادهن.

                                                                                              وقوله: " عليكن بهذا العود الهندي " هذه إحالة منه لهن على استعمال العود الهندي الطيب الرائحة في مرض الحلق المسمى بالعذرة، ثم بين لهم كيفية العلاج به بقوله " يسعط من العذرة " أي يدق ناعما ويسعط في الأنف. وهذا يفيد أنه يستعمل وحده ولا يضاف إلى غيره، ثم زاد فقال: " ويلد من ذات الجنب " ويعني به الوجع الذي يكون في الجنب المسمى بالشوصة. وقال الترمذي : يعني به السل - وفيه بعد، والأول أعرف.

                                                                                              وهل يلد به منفردا مدقوقا أو مع غيره؟

                                                                                              يسأل عن الأنفع من ذلك أهل الخبرة من المسلمين ممن جرب ذلك أو تباشر تجربته; إذ لا بد من نفعه في ذلك المرض؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقا.

                                                                                              وقوله: " فإن فيه سبعة أشفية " بين منها في الحديث اثنين وسكت عن [ ص: 604 ] الخمسة، وقد ذكر الأطباء في كتبهم أن فيه من الأشفية أكثر مما في هذا الحديث.

                                                                                              قال أبو عبد الله المازري : رأيت في كتبهم - يعني الأطباء - أنه يدر البول والطمث وينفع من السموم، ويحرك شهوة الجماع، ويقتل الدود وحب القرع إذا شرب بالعسل، ويذهب بالكلف إذا طلي عليه، وينفع من ضعف الكبد والمعدة وبردهما، ومن حمى الورد والربع، وينفع من النافض لطوخا بالزيت قبل نفض الحمى، ولمن به فالج واسترخاء.

                                                                                              قال: وهو صنفان; بحري وهندي - فالبحري: هو القسط الأبيض يؤتى به من بلاد المغرب . ونص بعضهم على أن البحري أفضل من الهندي، وهو أقل حرارة منه. قال إسحاق بن عمران : هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة، والهندي أشد حرا في الجزء الثالث. وقال ابن سينا : القسط حار في الثالثة يابس في الثانية.

                                                                                              قلت: ويسمى الكست كما قال الراوي، وحينئذ يشكل هذا بما ذكر من قول الأطباء: إن البحري من العود يسمى القسط يؤتى به من بلاد المغرب ، فكيف يكون هنديا ويؤتى به من المغرب ؟! إلا أن يريدوا مغرب الهند .

                                                                                              فإن قيل: فإذا كان في العود الهندي هذه الأدوية الكثيرة، فما وجه تخصيص منافعه بسبع مع أنها أكثر من ذلك؟ ولأي شيء لم يفصلها؟

                                                                                              فالجواب عن الأول بعد تسليم أن [ ص: 605 ] لأسماء الأعداد مفهوم مخالفة: إن هذه السبع المنافع هي التي علمها بالوحي وتحققها، وغيرها من المنافع علمت بالتجربة، فتعرض لما علمه بالوحي دون غيره.

                                                                                              وعن الثاني: إنه إنما فضل منها ما دعت الحاجة إليه، وسكت عن غيره؛ لأنه لم يبعث لبيان تفاصيل الطب، ولا لتعليم صنعته، وإنما تكلم بما تكلم به منه ليرشد إلى الأخذ فيه والعمل به، وأن في الوجود عقاقير وأدوية ينتفع بها، وعين منها ما دعت حاجتهم إليها في ذلك الوقت وبحسب أولئك الأشخاص، والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية