الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 215 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن وجبت عليه الزكاة وهو من أهل الخيم الذين ينتجعون لطلب الماء والكلأ فإنه ينظر فإن كانوا متفرقين كان موضع الصدقة من عند المال إلى حيث تقصر فيه الصلاة . فإذا بلغ حدا تقصر فيه الصلاة لم يكن ذلك موضع الصدقة وإن كان في حلل مجتمعة ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه كالقسم قبله ( والثاني ) أن كل حلة كالبلد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله " الخيم " هو بفتح الخاء وإسكان الياء والواحدة خيمة كتمرة وتمر بيضة وبيض ، ويجوز خيم بكسر الخاء وفتح الياء كبدرة وبدر ، وقيل : إنه على هذه اللغة محذوف الألف من خيام كما في قوله تعالى { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } وقرئ قيما ، وقالوا : ما ذكرناه ، ( والحلل ) بكسر الحاء جمع حلة بكسرها أيضا ، وهم الحي النازلون . قال أصحابنا : أرباب أموال الزكاة ضربان : ( أحدهما ) المقيمون في بلد أو قرية أو موضع من البادية ، لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا فعليهم صرف زكاتهم إلى من في موضعهم من الأصناف سواء المقيمون عندهم المستوطنون والغرباء المجتازون .

                                      ( الضرب الثاني ) أهل الخيام المتنقلون وهم صنفان ( أحدهما ) قوم مقيمون في موضع من البادية لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا إلا لحاجة ، فلهم حكم الضرب الأول فيصرفون زكاتهم إلى من في موضعهم ، فإن نقلوا عنه كانوا كمن نقل من بلد إلى بلد .

                                      ( الصنف الثاني ) أهل خيام ينتقلون للجهة ، وهم الذين إذا أخصب موضع رحلوا إليه وإذا أجدب موضع رحلوا منه ، فينظر فيهم فإن كانت حللهم متفرقة صرفوا الزكاة إلى جيران المال ، وهم من كان من المال على مسافة لا يقصر فيها الصلاة ، قال أصحابنا : فيجوز الدفع إلى هؤلاء قولا واحدا ، ولا يجيء فيهم الخلاف السابق في النقل من بلد إلى بلد لا تقصر إليه الصلاة ; لأنه لا يعد نقلا ، فإن نقلت عنهم إلى مسافة تقصر [ ص: 216 ] فيها الصلاة من موضع المال كان فيه الخلاف في النقل من بلد إلى بلد تقصر إليه الصلاة ، واتفق أصحابنا على جميع هذا المذكور قال أصحابنا : فإن كان من أهل الخيام قوم من الأصناف ينتقلون بانتقالهم وينزلون بنزولهم فالصرف إليهم أفضل من الصرف إلى جيرانهم الذين لا يظعنون بظعنهم ; لأنهم أشد جوارا ، فإن صرف إلى الآخرين جاز ، هذا كله فيمن خيامهم متفرقة فإن كانت مجتمعة وكل حلة متميزة عن الأخرى تنفرد عنها في الماء والمرعى فوجهان مشهوران ( أحدهما ) أنهم كالمتفرقين وأصحهما أن كل حالة كقرية فعلى هذا النقل منها كالنقل من القرية . وأما أهل الخيام الذين لا قرار ، لهم بل يطوفون البلاد أبدا فيصرفونها إلى من معهم ، فإن لم يكن معهم فإلى أقرب البلاد إليهم عند تمام الحول ، والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية