الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان

                                                                                                          204 حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء قال خرج رجل من المسجد بعد ما أذن فيه بالعصر فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى وفي الباب عن عثمان قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة قال أبو عيسى وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه وأبو الشعثاء اسمه سليم بن أسود وهو والد أشعث بن أبي الشعثاء وقد روى أشعث بن أبي الشعثاء هذا الحديث عن أبيه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن سفيان ) هو الثوري ( عن إبراهيم بن مهاجر ) بن جابر البجلي الكوفي ، صدوق لين الحفظ ، من الخامسة .

                                                                                                          ( عن أبي الشعثاء ) سليم بن أسود بن حنظلة الكوفي ثقة باتفاق ، من كبار الثالثة ، وروى هذا الحديث عنه ابنه أشعث أيضا ، وهو ثقة ولم ينفرد بروايته عنه إبراهيم بن مهاجر .

                                                                                                          قوله : ( أما هذا فقد عصى أبا القاسم ) قال الطيبي : " أما " للتفصيل يقتضي شيئين فصاعدا ، والمعنى أما من ثبت في المسجد وأقام الصلاة فيه فقد أطاع أبا القاسم ، وأما هذا فقد عصى ، انتهى . وقال القاري : رواه أحمد وزاد " ، ثم قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا [ ص: 518 ] يخرج أحدكم حتى يصلي " وإسناده صحيح ، انتهى . والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد بعدما أذن فيه ، لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة ، يدل عليه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف ، قال : على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل . رواه البخاري وغيره . فهذا الحديث يدل على أن حديث الباب مخصوص بمن ليس له ضرورة فيلتحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم ، وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه ، وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه ، فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه : لا يسمع النداء في مسجدي ، ثم يخرج منه إلا لحاجة ، ثم لا يرجع إليه إلا منافق ، كذا في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عثمان ) أخرجه ابن ماجه مرفوعا بلفظ : من أدركه الأذان في المسجد ، ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، قال ابن الهمام : وأخرجه الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال : كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم ، ومثل هذا موقوف عند بعضهم وإن كان ابن عبد البر قال فيه وفي نظائره مسند لحديث أبي هريرة " من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم " وقال : لا يختلفون في ذلك ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( أو أمر لا بد منه ) كأن يكون حاقنا أو راعفا ( ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة ) قول إبراهيم النخعي هذا مخالف لظاهر أحاديث الباب فإنها صريحة في منع الخروج بعد الأذان مطلقا أخذ المؤذن في الإقامة أو لم يأخذ إلا أن يحمل قوله على ما [ ص: 519 ] إذا كان له حاجة وهو يريد الرجوع ، فيدل على جواز الخروج حينئذ ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا منافق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع .

                                                                                                          ( وهذا عندنا ) أي عند أهل الحديث ( لمن له عذر في الخروج منه ) أي من المسجد ، والمعنى أن جواز الخروج من المسجد بعد الأذان مخصوص بمن له عذر في الخروج ، وأما من لا عذر له فلا يجوز له الخروج .

                                                                                                          ( وقد روى أشعث ابن أبي الشعثاء هذا الحديث عن أبيه ) رواه مسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية