الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى باب نية الوضوء . ( الطهارة ضربان : طهارة عن حدث ، وطهارة عن نجس . فأما الطهارة عن النجس فلا تفتقر إلى النية لأنها من باب المتروك ، فلا تفتقر إلى نية ، كترك الزنا والخمر واللواط والغصب والسرقة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أهل اللغة : النية القصد وعزم القلب ، وهي بتشديد الياء ، وهذه هي اللغة المشهورة ، ويقال بتخفيفها . قال الأزهري : هي مأخوذة [ ص: 353 ] من قولك نويت بلدة كذا أي عزمت بقلبي قصده . قال : ويقال للموضع الذي يقصده نية بتشديد الياء ونية بتخفيفها ، وكذلك الطية والطية العزم والموضع ، قاله ابن الأعرابي ، وانتويت موضع كذا أي قصدته للنجعة . ويقال للبلد المنوي نوي أيضا ، ويقال نواك الله أي حفظك ، كان المعنى قصد الله بحفظه إياك ، فالنية عزم القلب على عمل فرض أو غيره هذا كلام الأزهري . وكذا ذكر غيره تشديد الياء وتخفيفها من النية .

                                      وأما الوضوء فهو من الوضاءة بالمد وهي النظافة والنضارة وفيه ثلاث لغات : أشهرها أنه بضم الواو اسم للفعل ، وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ به ، قال ابن الأنباري وغيره : وهذه اللغة هي قول الأكثرين من أهل اللغة . والثانية بفتح الواو فيهما وهي قول الخليل والأصمعي وابن السكيت وغيرهم ، قال الأزهري : والضم لا يعرف . والثالثة بالضم فيهما وهي غريبة ضعيفة حكاها صاحب مطالع الأنوار ، وهذه اللغات هي التي في الطهور والطهور ، وقد سبقت في أول كتاب الطهارة والله أعلم .

                                      وأما قول المصنف : " الطهارة ضربان ، طهارة عن حدث وطهارة عن نجس " فمعناه أن الطهارة منحصرة في هذين الضربين فيرد عليه تجديد الوضوء والأغسال المسنونة فإنها طهارة وليس فيها رفع حدث ولا إزالة نجس ، ويجاب عنه بأن المراد بطهارة الحدث الطهارة بسبب الحدث أو على صورتها ، وينقسم إلى رافعة للحدث وغير رافعة كتجديد الوضوء والأغسال المسنونة والتيمم ، وقد سبق مثل هذه العبارة في أول باب ما يفسد الماء من الاستعمال ، وذكر المصنف هناك ما يدل على ما ذكرته والله أعلم . وقوله : كترك الزنا هو بالقصر والمد لغتان ، القصر أشهر وأفصح وبه جاء القرآن ( { ولا تقربوا الزنا } ) . وقوله : لأنها من باب المتروك معناه أن المأمور به في إزالة النجاسة ترك ما طرأ عليه مما لم يكن ، وليس المطلوب تحصيل شيء بخلاف الوضوء وشبهه فإن المأمور به إيجاد فعل لم يكن ، فصارت إزالة النجاسة كترك الزنا واللواط ورد المغصوب فإنها لا تفتقر إلى نية . فإن قيل : فالطهارة عن الحدث ترك أيضا فإنها ترك للحدث . [ ص: 354 ] فالجواب ) لا نسلم أنها ترك بل إيجاد للطهارة بدليل أن تجديد الوضوء والتيمم طهارة ولا ترفع حدثا ، وإنما توجد الطهارة . فإن قيل : الصوم ترك ويفتقر إلى النية ، فالجواب أن الصوم كف مقصود لقمع الشهوة ومخالفة الهوى فالتحق بالأفعال والله أعلم . أما الحكم الذي ذكره وهو أن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية فهو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ، ونقل صاحب الحاوي والبغوي في شرح السنة إجماع المسلمين عليه ، وحكى الخراسانيون وصاحب الشامل وجها أنه يفتقر إلى النية ، حكاه القاضي حسين وصاحبا الشامل والتتمة عن ابن سريج وأبي سهل الصعلوكي ، وقيل : لا يصح عن ابن سريج . قال إمام الحرمين : غلط من نسبه إلى ابن سريج ، وبين الإمام سبب الغلط بما سنذكره في باب إزالة النجاسة إن شاء الله تعالى . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية