الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الهجر للمسلم

                                                                                                          1932 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان حدثنا الزهري ح قال وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام قال وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وأبي هريرة وهشام بن عامر وأبي هند الداري قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح [ ص: 50 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 50 ] بكسر الهاء وسكون الجيم وهي مفارقة كلام أخيه المؤمن مع تلاقيهما وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه عند الاجتماع ، وليس المراد بالهجر هنا مفارقة الوطن إلى غيره ، فإن هذه تقدم حكمها .

                                                                                                          قوله : ( لا يحل للمسلم أن يهجر ) بضم الجيم ( أخاه ) أي المسلم وهو أعم من أخوة القرابة والصحابة ، قال الطيبي : وتخصيصه بالذكر إشعار بالعلية والمراد به أخوة الإسلام ، ويفهم منه أنه إن خالف هذه الشريطة وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاث انتهى ، قيل : وفيه أنه حينئذ يجب هجرانهم .

                                                                                                          ( فوق ثلاث ) ، وفي رواية الشيخين فوق ثلاث ليال والمراد بأيامها ، قال النووي في شرح مسلم : قال العلماء : في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث ، والثاني بمفهومه قالوا : وإنما عفا عنها في الثلاث لأن الآدمي مجبول من الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفا عن الهجر الثلاث ليذهب ذلك العارض ، وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجر الثلاثة ، وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب انتهى .

                                                                                                          فإن قلت : لم هجرت عائشة ابن الزبير أكثر من ثلاثة أيام ؟

                                                                                                          قلت : قد أجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط ، وأن الذي صدر من عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام على ابن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام ، قال : وكانت عائشة لا تأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن ، ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها ، ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها ، فكانت في تلك المدة منعت ابن الزبير من الدخول عليها كذا قال .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للإطالة بها ، والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت أن ابن الزبير ارتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله : لأحجرن عليها ، فإن فيه تنقيصا لقدرها ، ونسبة لها إلى [ ص: 51 ] ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى ، مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ، ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم التصريح به في أوائل مناقب قريش ، فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق ، والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب ، فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ، ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم ، فعلى هذا يحمل ما صدر من عائشة .

                                                                                                          وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث ، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا ، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة ا هـ ما في الفتح .

                                                                                                          ( يلتقيان ) أي يتلاقيان ( فيصد هذا ويصد هذا ) قال النووي : معنى يصد يعرض أي يوليه عرضه بضم العين وهو جانبه ، والصد بضم الصاد ، وهو أيضا الجانب والناحية ا هـ .

                                                                                                          ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) أي هو أفضلهما ، قال النووي : فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجر ويرفع الإثم فيها ويزيله ، وقال أحمد وابن القاسم المالكي : ترك الكلام إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجره ، قال أصحابنا : ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجر فيه وجهان : أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه ، وأصحهما يزول لزوال الوحشة ا هـ .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن مسعود ) أخرجه البزار ورواته رواة الصحيح ، قاله المنذري في الترغيب ( وأنس ) أخرجه الترمذي في باب الحسد ( وأبي هريرة ) أخرجه أحمد ومسلم بلفظ : لا هجرة بعد ثلاث ، وأخرجه أبو داود والنسائي عنه مرفوعا بلفظ : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار

                                                                                                          ( وهشام بن عامر ) أخرجه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح ، وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه وأبو بكر بن أبي شيبة كذا في الترغيب ( وأبي هند الداري ) لينظر من أخرجه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك والشيخان وأبو داود .




                                                                                                          الخدمات العلمية