الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند الأذان

                                                                                                          197 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه ها هنا وها هنا وإصبعاه في أذنيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء أراه قال من أدم فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها بالبطحاء فصلى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بين يديه الكلب والحمار وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه قال سفيان نراه حبرة قال أبو عيسى حديث أبي جحيفة حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا يدخل إصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي وأبو جحيفة اسمه وهب بن عبد الله السوائي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عون بن أبي جحيفة ) بتقديم الجيم على الحاء مصغرا السوائي ثقة .

                                                                                                          ( عن أبيه ) هو أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي مشهور بكنيته ، ويقال له وهب الخير صحابي معروف وصحب عليا ، مات سنة 74 أربع وسبعين .

                                                                                                          قوله : ( رأيت بلالا يؤذن ويدور ) أي عند الحيعلتين ( ويتبع ) من الإتباع ( فاه ) أي فمه ( هاهنا وهاهنا ) أي يمينا وشمالا ، وفي رواية وكيع عند مسلم قال فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينا [ ص: 503 ] وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح ، قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الرواية : ففيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين ، انتهى . وروى هذا الحديث قيس بن الربيع عن عون فقال ، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر ، أخرجه أبو داود ، قال الحافظ في الفتح : ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله ، انتهى .

                                                                                                          ( وإصبعاه في أذنيه ) جملة حالية ، أي جاعلا إصبعيه في أذنيه والإصبع مثلثة الهمزة والباء .

                                                                                                          ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة ) قال الجزري في النهاية : القبة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب .

                                                                                                          ( أراه ) بضم الهمزة ، أي أظنه والظاهر أن قائل " أراه " هو عون والضمير المنصوب يرجع إلى أبي جحيفة .

                                                                                                          ( قال من أدم ) بفتحتين جمع أديم ، أي جلد .

                                                                                                          ( بالعنزة ) بفتح العين والنون والزاي عصا أقصر من الرمح لها سنان ، وقيل هي الحربة القصيرة ، قاله الحافظ ، وقال الجزري في النهاية : العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة قريب منها ، انتهى .

                                                                                                          ( فركزها ) أي غرزها ( بالبطحاء ) يعني بطحاء مكة وهو موضع خارج مكة ، وهو الذي يقال له الأبطح ، قاله الحافظ ، قلت : ويقال له المحصب أيضا ( يمر بين يديه الكلب والحمار ) ، قال الحافظ ، أي بين العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة ، ففي رواية عمرو بن أبي زائدة " ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة " .

                                                                                                          ( وعليه حلة حمراء ) الحلة بضم الحاء إزار ورداء ، قال الجزري في النهاية : الحلة واحد الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد .

                                                                                                          ( كأني أنظر إلى بريق ساقيه ) أي لمعانهما والبريق اللمعان .

                                                                                                          ( قال سفيان ) هو الثوري الراوي عن عون ( نراه حبرة ) بكسر المهملة وفتح الموحدة ، أي نظن أن الحلة الحمراء التي كانت عليه صلى الله عليه وسلم لم تكن حمراء بحتا ، بل كانت حبرة يعني كانت فيها خطوط حمر ، فإن الحبرة على ما في القاموس والمجمع هي ضرب من برود من اليمن موشى مخطط ، وقال ابن القيم : إن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود ، وغلط من قال إنها كانت حمراء بحتا ، قال وهي معروفة بهذا الاسم . انتهى ، وتعقب الشوكاني عليه بأن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان ، والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت ، والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب ، فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك ، وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت [ ص: 504 ] بمجرد الدعوى . انتهى كلام الشوكاني . وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا بلفظ : باب الصلاة في الثوب الأحمر ، وأورد فيه هذا الحديث ، قال الحافظ في الفتح : يشير إلى الجواز والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا يكره وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فيها خطوط حمر ، انتهى . ويأتي الكلام في هذه المسألة في موضعها بالبسط إن شاء الله .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي جحيفة حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الإصبعين في الأذنين ولا الاستدارة .

                                                                                                          وفي الباب عن عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه ، قال إنه أرفع لصوتك " ، أخرجه ابن ماجه وهو حديث ضعيف ، وفي الباب روايات أخرى .

                                                                                                          قوله : ( وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان ) قالوا في ذلك فائدتان : إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال . وثانيتهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن ، قاله الحافظ وقال : لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا يدخل إصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي ) لا دليل عليه من السنة ، وأما القياس على الأذان فقياس مع الفارق ، قال القاري في المرقاة في شرح حديث عبد الرحمن بن سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه قال : إنه أرفع لصوتك ما لفظه : قال الطيبي ولعل الحكمة أنه إذا سد صماخيه لا يسمع إلا الصوت الرفيع فيتحرى في استقصائه كالأطرش ، قيل وبه يستدل الأصم على كونه أذانا فيكون أبلغ في الإعلام ، قال ابن حجر : ولا يسن ذلك في الإقامة ؛ لأنه لا يحتاج فيها إلى أبلغية الإعلام لحضور السامعين ، انتهى .

                                                                                                          ( وأبو جحيفة اسمه وهب السوائي ) بمضمومة وخفة واو فألف فكسر همزة نسبة إلى سواءة بن عامر ، كذا في المغني .




                                                                                                          الخدمات العلمية