الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثالثة ]

[ مقدار الجزية ]

وأما المسألة الثالثة : وهي كم الواجب فإنهم اختلفوا في ذلك : فرأى مالك أن القدر الواجب في ذلك هو ما فرضه عمر رضي الله عنه ، وذلك على أهل الذهب : أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق : أربعون درهما ، ومع ذلك أرزاق المسلمين ، وضيافة ثلاثة أيام ، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه . وقال الشافعي : أقله محدود وهو دينار ، وأكثره غير محدود ، وذلك بحسب ما يصالحون عليه . وقال قوم : لا توقيت في ذلك ، وذلك مصروف إلى اجتهاد الإمام وبه قال الثوري . وقال أبو حنيفة وأصحابه : الجزية اثنا عشر درهما ، وأربعة وعشرون درهما ، وثمانية وأربعون ، لا ينقص الفقير من اثني عشر درهما ، ولا يزاد الغني على ثمانية وأربعين درهما ، والوسط أربعة وعشرون درهما . وقال أحمد : دينار أو عدله معافر ، لا يزاد عليه ولا ينقص منه .

وسبب اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب ، وذلك أنه روي : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن ، وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا ، أو عدله معافر " وهي ثياب باليمن .

وثبت عن عمر أنه ضرب الجزية على أهل الذهب : أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق : أربعين درهما ، مع ذلك أرزاق المسلمين ، وضيافة ثلاثة أيام .

وروي عنه أيضا أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين ، وأربعة وعشرين واثني عشر .

فمن حمل هذه الأحاديث كلها على التخيير وتمسك في ذلك بعموم ما ينطلق عليه اسم جزية ; إذ ليس في توقيت ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متفق على صحته ; وإنما ورد الكتاب في ذلك عاما ; قال : لا حد في ذلك ، وهو الأظهر ، والله أعلم .

ومن جمع بين حديث معاذ ; والثابت عن عمر قال : أقله محدود ، ولا حد لأكثره .

ومن رجح أحد حديثي عمر قال : إما بأربعين درهما وأربعة دنانير ، وإما بثمانية وأربعين درهما ، وأربعة وعشرين ، واثني عشر على ما تقدم .

[ ص: 332 ] ومن رجح حديث معاذ لأنه مرفوع قال : دينار فقط ، أو عدله معافر ، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية