الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
530 [ ص: 324 ] حديث رابع لابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب متصل

مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربع تكبيرات .

التالي السابق


هكذا ( هو ) في جميع الموطآت بهذا الإسناد ، وقد أخبرنا محمد ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا أبو بكر الشافعي محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا خالد بن مخلد القطواني ، وابن قعنب ، قالا : حدثنا مالك ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب [ ص: 325 ] وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : نعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجاشي إلى الناس في اليوم الذي مات فيه ، وصف الناس في المصلى وكبر عليه أربع تكبيرات . تفرد به محمد بن شداد بهذا الإسناد ، وروي هذا الحديث أيضا ، عن عبد الله بن نافع ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وليس في الموطأ إلا عن سعيد وحده ( وهو محفوظ في حديث الزهري ، عن سعيد ، وأبي سلمة جميعا ، عن أبي هريرة رواه عقيل وصالح بن كيسان ) وقد روى مكي بن إبراهيم وحباب بن جبلة في هذا الحديث إسنادا آخر ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على النجاشي أربعا ، وليس هذا الإسناد في الموطأ لهذا الحديث ، ولا أعلم أحدا حدث به هكذا عن مالك غيرهما ، والله أعلم .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علان ، حدثنا ابن يعلى أحمد بن علي بن المثنى ، قال : سمعت سهل بن زنجلة الرازي يسأل ابن أبي سمينة عن حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي [ ص: 326 ] قال : هذا منكر ، وقال له ابن أبي سمينة : من رواه عن نافع ؟ فقال ابن زنجلة : مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي فقال ابن أبي سمينة : عمن حملته عن مالك ؟ قال : حدثناه مكي بن إبراهيم ، قال : أنبأنا مالك فسكت ابن أبي سمينة .

قال أبو عمر :

لا أعلم أحدا روى هذا الحديث ، عن مكي بن إبراهيم وحباب بن جبلة ، وإنما الصحيح فيه عن مالك ما في الموطأ .

النجاشي ملك الحبشة ، قال ابن إسحاق : النجاشي اسم الملك كما يقال : كسرى وقيصر ، قال : واسمه أصحمة ، وهو بالعربية عطية ، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة كبير ، وذلك أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بموته في اليوم الذي مات فيه على بعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة ونعاه للناس في ذلك اليوم ، وكان نعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجاشي في رجب سنة تسع من الهجرة ، كذلك قال أهل السير الواقدي ، وغيره . وفيه إباحة الإشعار بالجنازة ، والإعلام بها ، والاجتماع لها ، وهذا أقوى من [ ص: 327 ] حديث حذيفة أنه كان إذا مات له ميت قال : لا تؤذنوا به أحدا ، فإني أخاف أن يكون نعيا ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي ، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف قد تقدم ذكر بعضهم في حديث ( مالك ، عن ) ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، وروي عن ابن عمر أنه كان إذا مات له ميت تحين غفلة الناس ، ثم خرج بجنازته ، وقد روي عنه خلاف هذا في جنازة رافع بن خديج لما نعي له ، قال : وكيف تريدون أن تصنعوا ( به ) ؟ قالوا : نحبسه حتى نرسل إلى قباء ، وإلى قريات حول المدينة ليشهدوا جنازته ، قال : نعم ما رأيتم ، وجاء عن أبي هريرة أنه ( كان ) يمر بالمجالس فيقول : إن أخاكم قد قبض ، فاشهدوا جنازته .

والأصل في هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن شهاب ، عن أبي أمامة هلا آذنتموني بها وقوله في هذا الحديث نعى النجاشي للناس ، والنظر يشهد لهذا ، لأن ( شهود ) الجنائز أجر ، وخير ، ومن دعا إلى ذلك فقد دعا إلى خير وأعان عليه ، وفيه أن من السنة أن تخرج الجنازة إلى المصلى ليصلى عليها هناك ، وفي ذلك دليل على [ ص: 328 ] أن صلاته على سهيل بن بيضاء في المسجد إباحة ليس بواجب وسيأتي القول في ذلك في باب أبي النضر ، إن شاء الله .

وفيه الصلاة على الميت الغائب ، وأكثر أهل العلم يقولون ( إن ) هذا خصوص للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أجاز بعضهم الصلاة على الغائب إذا بلغه الخبر بقرب موته ، ودلائل الخصوص في هذه المسألة واضحة لا يجوز أن يشرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها غيره ، لأنه - والله أعلم - أحضر روح النجاشي بين يديه حيث شاهدها وصلى عليها ، أو رفعت له جنازته كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته . وقد روي أن جبريل عليه السلام أتاه بروح جعفر ، أو جنازته ، وقال : قم ، فصل عليه [ ص: 329 ] ومثل هذا كله يدل على أنه مخصوص به لا يشاركه فيه غيره وعلى هذا أكثر العلماء في الصلاة على الغائب ، وفيه الصف في الصلاة على الجنائز ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب . رواه حماد بن زيد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن مالك بن هبيرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره . قال : وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف ، الحديث .

وفي هذا الحديث أيضا دليل على الاستكثار من الناس في شهود الجنائز ، وذلك لا يكون إلا بالإشعار ، والإعلام ، والله أعلم .

وفيه أن النجاشي ملك الحبشة أسلم ، ومات مسلما ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي إلا على مسلم ، وذكر سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : لما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي طعن في ذلك المنافقون فنزلت ( هذه الآية ) [ ص: 330 ] وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله . . . إلى آخرها ، قال ابن جريج : وقال آخرون : نزلت في عبد الله بن سلام ، ومن معه ، وقال معمر عن قتادة في قوله وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ( الآية ) إلى قوله ( سريع الحساب ) قال : هذه الآية نزلت في النجاشي ، وأصحابه ممن آمن بالنبي ، صلى الله عليه وسلم .

حدثني خلف بن قاسم ، قال : حدثنا ابن الورد ( عبد الله بن جعفر ) قال : حدثنا عبدوس بن دورويه الدمشقي ، قال : حدثنا المسيب بن واضح ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس ، قال لما جاءت وفاة النجاشي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه صلوا عليه فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمنا معه ، فصلى عليه فقالوا : صلى على علج مات فنزلت : وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم الآية ، وحدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا الحسين بن جعفر الزيات قال : حدثنا [ ص: 331 ] ( يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا ) ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن جابر ، قال لما مات النجاشي ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قد مات اليوم عبد صالح فقوموا فصلوا على أصحمة فكنت ( في الصف ) الأول ، أو الثاني ، وفي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي وأمره أصحابه بالصلاة عليه ، وهو غائب ، أوضح الدلائل على تأكيد الصلاة على الجنائز ، وعلى أنه لا يجوز أن يترك جنازة مسلم دون صلاة ، ولا يحل لمن حضره أن يدفنه دون أن يصلي عليه ، وعلى هذا جمهور علماء المسلمين ( من السلف ، والخالفين ) إلا أنهم اختلفوا في تسمية وجوب ذلك فقال الأكثر : هي فرض على الكفاية ، وقال بعضهم : سنة واجبة على الكفاية يسقط وجوبها بمن حضرها عمن لم يحضرها ، وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على جنائز المسلمين من أهل الكبائر كانوا ، أو صالحين ، وراثة عن نبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) [ ص: 332 ] قولا ، وعملا . واتفق الفقهاء على ذلك إلا في الشهداء ، وأهل البدع ، والبغاة ، فإنهم اختلفوا في الصلاة على هؤلاء حسبما يأتي في مواضعه من هذا الكتاب ، إن شاء الله .

حدثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا عبد الحميد بن أبي العشرين ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو قلابة ، قال : حدثني أبو المهاجر ، قال : حدثني عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففنا خلفه ، فكبر ( عليه ) أربعا ، وما نحسب الجنازة إلا بين يديه ، وفيه التكبير على الجنائز ( أربع ، وهذا أصح ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التكبير على الجنازة ) وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كبر على قبر أربعا ، وأنه كبر على جنازة أربعا .

حدثنا خلف بن القاسم الحافظ ، قال : حدثنا أحمد بن صالح المقرئ ، قال : حدثنا [ ص: 333 ] أبو بكر بن أبي داود السجستاني ، قال : حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الخلال ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا سلمة بن كلثوم ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : أخبرني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة فكبر عليها أربعا ، ثم أتى القبر من ( قبل ) رأسه فحثا فيه ثلاثا ، قال أبو بكر بن أبي داود : ليس يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث صحيح أنه كبر على جنازة أربعا إلا هذا ، ولم يروه إلا سلمة بن كلثوم ، وهو ثقة من كبار أصحاب الأوزاعي ، قال : وإنما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه ثابت أنه كبر على قبر أربعا ، وأنه كبر على النجاشي أربعا ، وأما على جنازة ( أربعا ) هكذا فلا إلا حديث سلمة بن كلثوم هذا .

قال أبو عمر :

أما صحيح فلا كما قال ابن أبي داود ، وقد جاءت أحاديث ضعاف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة أربعا ، منها حديث رواه المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي الفقيه المدني المفتي بها ، وكان ثقة ، عن خالد بن [ ص: 334 ] إلياس ، وهو ضعيف عند جميعهم ، عن إسماعيل بن عمرو بن سعد بن العاص ، وكان ثقة ، عن عثمان بن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن عفان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على عثمان بن مظعون أربعا ) .

قال أبو عمر :

اختلف السلف في عدد التكبير على الجنازة ، ثم اتفقوا على أربع تكبيرات ، وما خالف ذلك شذوذ يشبه البدعة والحدث .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا موسى بن معاوية ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : جمع عمر الناس ، فاستشارهم في التكبير على الجنازة وجمعهم على أربع تكبيرات . قال : وحدثنا وكيع ، عن مسعر ، عن عبد الملك الشيباني ، عن إبراهيم ، قال : اجتمع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في بيت ( أبي ) مسعود ، فأجمعوا على أن التكبير أربع .

[ ص: 335 ] وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم عن عبد الله ، قال : أجمعوا على أربع ، قال المغيرة : بلغني أن عمر جمعهم وسألهم عن أحدث جنازة كبر عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشهدوا أنه صلى على أحدث جنازة وكبر عليها أربعا .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا ابن أبي دليم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : سئل عبد الله عن التكبير على الجنازة فقال : كل ذلك قد صنع فرأيت الناس قد اجتمعوا على أربع .

قال أبو عمر :

يكبر خمسا ، احتج بحديث زيد بن أرقم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة خمسا ، وهو حديث يرويه عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن زيد بن أرقم رواه عن عمرو بن مرة جماعة ، منهم شعبة ، وقد قال يحيى القطان ، عن شعبة كان عمرو بن مرة يعرف وينكر ، وقد جاء عن زيد بن أرقم ما يعارض [ ص: 336 ] حديث عمرو بن مرة هذا ، أخبرنا قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن سعد ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا محمد بن سنجر ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة المؤذن ، قال : توفي أبو سريحة الغفاري ، فصلى عليه زيد بن أرقم فكبر أربعا فهذا يدل على أن ذلك ليس مما يحتج به عن زيد بن أرقم ، لأنه لو لم يكن عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره ما خالفه وعلى أن حديث عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما فيه أن زيد بن أرقم كان يكبر على جنائزهم أربعا ، وأنه ( مرة ) كبر خمسا فقيل له : ما هذا ؟ فقال : فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي هذا ما يدل على أن تكبيره على الجنائز كان أربعا ، وأنه إنما كبر خمسا مرة واحدة ، ولا يوجد هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه ، والله أعلم .

وليس مما يحتج به على ما ذكرنا من إجماع الصحابة واتفاقهم على الأربع دون ما سواها ، والتكبير على الجنائز أربع هو قول عامة الفقهاء إلا ابن أبي ليلى وحده ، فإنه قال : خمسا ، ولا أعلم له في ذلك سلفا إلا زيد بن أرقم ، وقد اختلف عنه في ذلك وحذيفة ، وأبو ذر ، وفي الإسناد عنهما من لا يحتج به ، وقد ذكر أبو بكر الأثرم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كبر أربعا ، [ ص: 337 ] من حديث سهل بن حنيف على قبر ، ومن حديث جابر ، ومن حديث ابن عباس ، قال ابن عباس : آخر جنازة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر عليها أربعا ، وعن أبي بكر الصديق أنه كبر أربعا ، وعن عمر أنه كبر على أبي بكر أربعا ، وعن علي أنه كبر على ابن المكفف أربعا ( وعن أبي هريرة ، والبراء بن عازب وحذيفة ، وابن مسعود ، وأبي مسعود أنهم كبروا أربعا ) وعن علي أيضا أنه كبر أربعا ، وعن زيد بن ثابت أنه كبر على أمه أربعا ، وذكر حديث إبراهيم النخعي ، قال : اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي مسعود ، واجتمع رأيهم على أن التكبير على الجنائز أربع ، قال الأثرم : وحدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، قال : [ ص: 338 ] كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ، ثم كبر على جنازة خمسا فسألته فقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها ، أو قال : كبرها ، قال : وحدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا الشيباني ، قال : حدثنا عامر ، عن علقمة ، قال : قيل لعبد الله إن أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمسا فلو وقت لنا فقال عبد الله : إذا تقدم إمامكم ( فكبر ) فكبروا ما كبر ، فإنه لا وقت ولا عدة .

ومن حديث محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا محمود بن غيلان ، قال : حدثنا وكيع ، قال : لم يرو شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس إلا حديثين أحدهما أن ابن عباس ، قال : يكبر ( على ) الجنائز ثلاثا ، والآخر أن ابن عباس ، قال ليس على أهل الكتاب حد ، قال وكيع ، حدثناه شعبة ، وذكر الفزاري ، عن حميد ، عن أنس [ ص: 339 ] أنه صلى على جنازة فكبر ثلاثا ، ثم سلم - فقيل له : إنما كبرت ثلاثا ، فاستقبل القبلة فكبر الرابعة ، ثم سلم .

( حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن علي أبو العباس سنان ، حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا وكيع ، حدثنا شعبة ، عن عمرو ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثا ) وقال مالك وأصحابه ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي ، ومن اتبعه ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي والليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل وداود ، والطبري ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، وابن سيرين ، والحسن ، وسائر أهل الحديث : التكبير أربع ، قال إبراهيم النخعي : قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس مختلفون ، فمنهم من يقول : كبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعا ، ومنهم من يقول : خمسا ، وآخر يقول : سبعا فلما كان عمر جمع الصحابة فقال لهم : انظروا أمرا تجتمعون عليه ، فأجمع أمرهم على أربع تكبيرات . وقال سعيد بن المسيب : كل ذلك قد كان خمس وأربع ، فأمر عمر الناس بأربع .

[ ص: 340 ] فإن احتج محتج بابن مسعود قيل له قد روي عنه أنه ليس في التكبير شيء معلوم ، وروي عنه أنه كبر أربعا ، وهو أولى ، وإن احتج محتج بعلي - رضي الله عنه ، قيل له إنما كبر أكثر من أربع على قوم دون آخرين ، وذلك أنه ( كان ) يكبر على أهل بدر ستا ، أو سبعا ، وعلى سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا ، وعلى سائر الناس أربعا ، وقد روىأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن معقل قال : كبر علي في سلطانه أربعا أربعا على الجنازة إلا على سهل بن حنيف ، فإنه كبر عليه خمسا ( ثم التفت ) فقال : إنه بدري ، والأحاديث عن علي في هذا مضطربة ، وما جمع عمر عليه الناس أصح وأثبت مع صحة السنن فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كبر أربعا ، وهو العمل المستفيض بالمدينة ، ومثل هذا يحتج فيه بالعمل لأنه قل يوم ، أو جمعة إلا وفيه جنازة ، وعليه الجمهور ، وهم الحجة ، وبالله التوفيق .

[ ص: 341 ] واختلفوا إذا كبر الإمام خمسا فروي عن مالك ، والثوري أنهما قالا : قف حيث وقفت السنة ، قال ابن القاسم وابن وهب ، عن مالك لا يكبر معه الخامسة ، ولكنه لا يسلم إلا بسلامه ، وعن الحسن بن حي ، وعبيد الله بن الحسن نحو ذلك ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إذا كبر الإمام خمسا قطع المأموم بعد الأربع بسلام ، ولم ينتظروا تسليمه ، وقال زفر : التكبير على الجنائز أربع فإن كبر الإمام خمسا كبر معه ، وهو قول الثوري في رواية ، وقد روي عن الثوري أنه لا يكبر ، ولكنه يسلم ( كما ) قال أبو حنيفة : ( سواء ) .

وروي عن أبي يوسف أنه رجع إلى قول زفر ، وقال الشافعي : لا يكبر إلا أربعا ، فإن كبر الإمام خمسا ، فالمأموم بالخيار إن شاء سلم وقطع ، وإن شاء انتظر تسليم الإمام فسلم بسلامه ، ولا يكبر خامسة ألبتة ، وقال الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل ، فإن كبر الإمام خمسا أكبر معه ؟ قال : نعم ، قال ابن مسعود كبر ما كبر إمامك . قيل لأبي عبد الله أفلا ننصرف إذا كبر الخامسة فقال : سبحان الله النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر خمسا . رواه زيد بن أرقم [ ص: 342 ] ثم قال : ما أعجب الكوفيين ! سفيان رحمنا الله وإياه يقول : ينصرف إذا كبر الخامسة ، وابن مسعود ( يقول ) : ما كبر إمامكم فكبروا ، وقال أبو عبد الله الذي نختاره يكبر أربعا ، فإن كبر ( الإمام ) خمسا كبرنا معه لما رواه زيد بن أرقم ، ولقول ابن مسعود قيل له ، فإن كبر ستا ، أو سبعا ، أو ، ثمانيا ، قال : أما هذا فلا ، وأما خمس فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجمع هؤلاء الفقهاء على أن من فاته بعض التكبير ، فإنه يكبر مع الإمام ما أدرك منه ويقضي ما فاته . وهو قول ابن شهاب .

واختلفوا إذا وجد الإمام قد سبقه ببعض التكبير فروى أشهب ، عن مالك أنه يكبر ( أولا ) ولا ينتظر الإمام ، وهو قول الشافعي ، والأوزاعي ، وأبي يوسف ، وقال أبو حنيفة ومحمد ينتظر الإمام حتى يكبر ، فإذا كبر كبر معه ، وإذا سلم قضى ما عليه ، ورواه ابن القاسم ، عن مالك وحجة من قال هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - ما أدركتم ، فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا فلو كبر قبل أن يكبر إمامه في الجنازة ( ثم ) قضى ما فاته على عموم هذا الحديث صارت خمسا . وحجة رواية أشهب ومن قال [ ص: 343 ] بها أن التكبير الأول بمنزلة الإحرام فينبغي أن يفعله على كل حال ، ثم يقضي ما فاته بعد سلام إمامه ، وقال أحمد كل ذلك سهل لا بأس به . روى وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن الحارث العكلي ، قال : إذا جئت وقد كبر الإمام على الجنازة فقم ، ولا تكبر حتى يكبر .

واختلفوا إذا رفعت الجنازة فقال مالك والثوري يقضي ما فاته ( من التكبير ) نسقا متتابعا ، ولا يدع فيما بين ذلك بشيء ، رفع النعش أو لم يرفع ، وقال أبو حنيفة والشافعي يقضي ما بقي عليه ( من التكبير ما لم يرفع ، ويدعو ما بين التكبير ، وقال الليث : كان الزهري يقول : يقضي ما فاته ) وكان ربيعة يقول لا يقضي ، وقال الليث يقضي ، وقال الأوزاعي : لا يقضي ، وقال أحمد ( بن حنبل ) إن قضى قبل أن يرفع فحسن ، وإلا فلا شيء عليه ، وقد استدل بعض شيوخنا على أن الجنازة لا يصلى عليها في المسجد بهذا الحديث لخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه إلى المصلى للصلاة على النجاشي .

[ ص: 344 ] قال أبو عمر :

استدل بهذا ، وهو ممن يقول بأن عمل أهل المدينة أقوى من الخبر المنفرد ، وهو يروى من حديث مالك ، وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد ، وعلى أخيه سهل أيضا كذلك ، وأن أبا بكر صلي عليه في المسجد ، وأن عمر صلي عليه في المسجد وهذه نصوص سنة وعمل ، وليس للدليل المحتمل للتأويل مدخل مع النصوص ، وقد قال قائل هذه المقالة إن أبا بكر ، وعمر إنما صلي عليهما في المسجد من أجل أنهما دفنا في المسجد فيلزمه أن يجيز الصلاة في المسجد على من يدفن فيه ، وإذا جاز أن يصلى على الجنازة في المسجد ، ثم يدفن فيه لم يكن المنع من الدفن في المسجد بمانع من الصلاة ، لأن الدفن ( فيه ) ليس بعلة للصلاة ( فيه ) فافهم ، والأصل في الأشياء [ ص: 345 ] الإباحة حتى يصح المنع بوجه لا معارض له , ودليل غير محتمل للتأويل ، وستأتي هذه المسألة في موضعها من كتابنا هذا ، إن شاء الله .




الخدمات العلمية