الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      باب زكاة الثمار قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتجب الزكاة في ثمر النخل والكرم ، لما روى عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الكرم " { إنها تخرص كما يخرص النخل ، فتؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا } ولأن ثمرة النخل والكرم تعظم منفعتهما ; لأنهما من الأقوات والأموال المدخرة المقتاتة ، فهي كالأنعام في المواشي ) : .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيدهم عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد وهو مرسل ; لأن عتابا [ ص: 431 ] توفي سنة ثلاث عشرة ، وسعيد بن المسيب ولد بعد ذلك بسنتين ، وقيل بأربع سنين ، وقد سبق في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح أن من أصحابنا من قال : يحتج بمراسيل ابن المسيب مطلقا ، والأصح أنه إنما يحتج به إذا اعتضد بأحد أربعة أمور ، أن يسند أو يرسل من جهة أخرى ، أو يقول به بعض الصحابة أو أكثر العلماء ، وقد وجد ذلك هنا ، فقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على وجوب الزكاة في التمر والزبيب .

                                      فإن قيل : ما الحكمة في قوله صلى الله عليه وسلم في الكرم " يخرص كما يخرص النخل ويؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا ؟ " فجعل النخل أصلا ؟ فالجواب من وجهين : ( أحسنهما ) : ما ذكره صاحب البيان فيه وفي مشكلات المهذب أن خيبر فتحت أول سنة سبع من الهجرة ، { وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص النخل فكان خرص النخل معروفا عندهم فلما فتح صلى الله عليه وسلم الطائف ، وبها العنب الكثير ، أمر بخرصه كخرص النخل المعروف عندهم . } ( والثاني ) : أن النخل كانت عندهم أكثر وأشهر ، فصارت أصلا لغلبتها . فإن قيل : كيف سمي العنب كرما ؟ وقد ثبت النهي عنه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم المسلم } رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية { فإنما الكرم قلب المؤمن } وعن وائل بن حجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { لا تقولوا الكرم ولكن قولوا : العنب والحبلة } رواه مسلم ؟ والحبلة بفتح الحاء وبفتح الباء وإسكانها ( فالجواب ) : أن هذا نهي تنزيه وليس في الحديث تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتسميتها كرما ، وإنما هو من كلام الراوي ، فلعله لم يبلغه النهي ، أو خاطب به من لا يعرفه بغيره ، فأوضحه أو استعملها بيانا لجوازه ، قال العلماء : سمت العرب العنب كرما والخمر كرما . [ ص: 432 ] أما العنب فلكرم ثمره ، وكثرة حمله وتذلله للقطف ، وسهولة تناوله بلا شوك ولا مشقة ، ويؤكل طيبا غضا طريا وزبيبا ويدخر قوتا ، ويتخذ منه العصير والخل والدبس وغير ذلك ) ، وأصل الكرم الكثرة ، وجمع الخير ، وسمي الرجل كرما لكثرة خيره ، ونخلة كريمة لكثرة حملها ، وشاة كريمة كثيرة الدر والنسل وأما الخمر فقيل : سميت كرما ; لأنها كانت تحثهم على الكرم والجود وتطرد الهموم ، فنهى الشرع عن تسمية العنب كرما لتضمنه مدحها ، لئلا تتشوق إليها النفوس ، وكان اسم الكرم بالمؤمن وبقلبه أليق لكثرة خيره ونفعه واجتماع الأخلاق والصفات الجميلة ، وعتاب الراوي بتشديد التاء المثناة فوق وأسيد بفتح الهمزة والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية