الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      باب الخلطة قال المصنف رحمه الله تعالى ( للخلطة تأثير في إيجاب الزكاة وهو أن يجعل مال الرجلين أو الجماعة كمال الرجل الواحد ، فيجب فيه ما يجب في مال الرجل الواحد ، فإذا كان بين نفسين وهما من أهل الزكاة نصاب مشاع من الماشية في حول كامل وجب عليهما زكاة الرجل الواحد ، وكذلك إذا كان لكل واحد [ منهما ] مال منفرد ، ولم ينفرد أحدهما عن الآخر بالحول ، مثل أن يكون لكل واحد منهما عشرون من الغنم فخلطاها ، أو لكل واحد أربعون ملكاها معا فخلطاها ، صار كمال الرجل الواحد في إيجاب الزكاة بشروط : ( أحدها ) : أن يكون الشريكان من أهل الزكاة ( والثاني ) : أن يكون المال المختلط نصابا ( الثالث ) : أن يمضي عليهما حول كامل ( والرابع ) : ألا يتميز أحدهما عن الآخر في المراح ( والخامس ) : ألا يتميز أحدهما عن الآخر في المسرح ( السادس ) : ألا يتميز أحدهما عن الآخر في المشرب ( والسابع ) : أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في الراعي ( والثامن ) : ألا يتميز أحدهما عن الآخر في الفحل ( والتاسع ) : أن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المحلب . والأصل فيه ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " { كتب كتاب الصدقة ، فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكان فيه : لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين مفترق مخافة الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية } ; ولأن المالين صارا كمال الواحد في المؤن ، فوجب أن تكون زكاته زكاة المال ( الواحد ) ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هذا الحديث حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وسبق بيانه بطوله في أول باب زكاة الإبل ، وسبق هناك أن البخاري [ ص: 407 ] رواه في صحيحه من رواية أنس رضي الله عنه والخلطة بضم الخاء والمراح بضم الميم وهو موضع مبيتها ، والمحلب بكسر الميم الإناء الذي يحلب فيه ، وبفتحها موضع الحلب ، وسنوضح المراد به إن شاء الله تعالى . قال أصحابنا : الخلطة ضربان : ( أحدهما ) : أن يكون المال مشتركا مشاعا بينهما ( والثاني ) : أن يكون لكل واحد منهما ماشية متميزة ، ولا اشتراك بينهما لكنهما متجاوران مختلطان في المراح والمسرح والمرعى وسائر الشروط المذكورة ، وتسمى الأولى خلطة شيوع وخلطة اشتراك وخلطة أعيان ، والثانية خلطة أوصاف وخلطة جوار ، وكل واحدة من الخلطتين تؤثر في الزكاة ، ويصير مال الشخصين أو الأشخاص كمال الواحد ، ثم قد يكون أثرها في وجوب أصل الزكاة ، وقد يكون في تكثيرها ، وقد يكون في تقليلها . مثال الإيجاب : رجلان لكل واحد عشرون شاة ، يجب بالخلطة شاة ، ولو انفردا لم يجب شيء ومثال التكثير : خلط مائة شاة بمثلها ، يجب على كل واحد شاة ونصف ، ولو انفردا وجب على كل واحد شاة فقط ، أو خلط خمسا وخمسين بقرة بمثلها يجب على كل واحد مسنة ونصف تبيع ، ولو انفردا لزمه مسنة فقط ، أو خلط مائة وعشرين من الإبل بمثلها ، يجب على كل واحد ثلاث بنات لبون ، ، ولو انفرد لزمه حقتان . ومثال التقليل : ثلاثة رجال لكل واحد أربعون خلطوها يجب على كل واحد ثلث شاة ولو انفرد لزمه شاة كاملة . ونقل الرافعي عن الحناطي أنه حكى وجها غريبا أن خلطة الجوار لا أثر لها . قال : وليس بشيء . وهذا الوجه غلط صريح . وقد نقل الشيخ أبو حامد في تعليقه إجماع المسلمين على أنه لا فرق بين الخلطتين في الإيجاب ، وإنما اختلفوا في الأخذ . وبمذهبنا في تأثير الخلطتين قال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وداود وقال أبو حنيفة : لا تأثير للخلطتين مطلقا ويبقى المال على حكم الانفراد . [ ص: 408 ] وقال مالك والثوري وأبو ثور وابن المنذر : إن كان مال كل واحد نصابا فصاعدا أثرت الخلطة وإلا فلا . دليلنا الأحاديث الصحيحة المطلقة في الخلطة والله أعلم .

                                      وأما قوله صلى الله عليه وسلم " { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } فهو نهي للساعي وللملاك عن التفريق وعن الجمع ، فنهى الملاك عن التفريق وعن الجمع خشية وجوب الصدقة ، أو خشية كثرتها ونهى الساعي عنهما خشية سقوطها أو قلتها . مثال التفريق من جهة الملاك : أن يكون لرجلين أو رجال أربعون شاة مختلطة فواجبهم شاة مقسطة عليهم ، فليس لهم تفريق الماشية بعد الحول عند قدوم الساعي لتسقط الزكاة في الظاهر ومثاله من جهة الساعي أن يكون لكل رجل من الثلاثة أربعون شاة مختلطة ، فليس للساعي تفريقها ليأخذ من كل واحد شاة وإنما على كل واحد ثلث شاة . ومثال الجمع من جهة الملاك أن يكونوا ثلاثة لكل واحد أربعون شاة متفرقة فجمعوها عند قدوم الساعي بعد الحول ، فليس لهم ذلك ، بل على كل واحد شاة . ومثاله من جهة الساعي أن يكون لأحد الرجلين عشرون شاة منفردة ، ولآخر عشرون منفردة ، فليس للساعي أن يجمعهما ليأخذ شاة ، بل يتركهما متفرقين ولا زكاة ، أو يكون لأحدهما مائة شاة ، ولآخر مثلها ، فليس للساعي جمعهما ليأخذ ثلاث شياه ، بل يتركهما متفرقتين ، وعلى كل واحد شاة فقط ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية