الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن اتفق في نصاب فرضان كالمائتين هي نصاب خمس بنات لبون ، ونصاب أربع حقاق ، فقد قال في الجديد : تجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون وقال في القديم : تجب أربع حقاق . فمن أصحابنا من قال : يجب أحد الفرضين قولا واحدا . ومنهم من قال : فيه قولان : ( أحدهما ) : تجب الحقاق ; لأنه إذا أمكن تغير الفرض بالسن لم يغير بالعدد . كما قلنا فيما قبل المائتين ( والثاني ) : يجب أحد الفرضين لما روى سالم في نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون } ، فعلى هذا إن وجد أحدهما تعين إخراجه ; لأن المخير في الشيئين إذا تعذر عليه أحدهما تعين عليه الآخر كالمكفر عن اليمين إذا تعذر عليه العتق والكسوة تعين عليه الإطعام ، وإن وجدهما اختار المصدق أنفعهما للمساكين . وقال أبو العباس : يختار صاحب المال ما شاء منهما وقد مضى دليل المذهبين في الصعود والنزول . فإن اختار المصدق الأدنى نظرت فإن كان ذلك بتفريط من رب المال بأن لم يظهر أحد الفرضين أو من الساعي بأن لم يجتهد وجب رد المأخوذ أو بدله إن كان تالفا ، فإن لم يفرط واحد منهما أخرج رب المال الفضل ، وهو ما بين قيمة الصنفين ، وهل يجب ذلك أم لا ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) : يستحب ; ; لأن المخرج يجزئ عن الفرض ، فكان الفضل مستحبا ( والثاني ) : أنه واجب ، وهو ظاهر النص ; لأنه لم يؤد الفرض بكماله ، فلزمه إخراج الفضل فإن كان الفضل يسيرا لا يمكن أن يشتري به جزءا من الفرض تصدق به ، وإن كان يمكن ففيه وجهان :

                                      ( أحدهما ) : يجب ; لأنه يمكن الوصول إلى جزء من الفرض فلم تجز فيه القيمة ( والثاني ) : لا يجب ; لأنه يتعذر ذلك في العادة ، فإن عدم الفرضان في المال نزل إلى بنات مخاض أو صعد إلى الجذاع مع الجبران . وإن وجد أحد الفرضين وبعض الآخر أخذ الموجود ، فإن أراد أن يأخذ بعض الآخر مع الجبران لم يجز ; لأن أحد الفرضين كامل ، فلم يجز العدول إلى الجبران . وإن وجد من كل واحد منهما بعضه بأن كان في المال ثلاث حقاق وأربع بنات لبون ، فأعطى الثلاث الحقاق وبنت لبون مع الجبران جاز . وإن أعطى أربع بنات لبون وحقة ، وأخذ الجبران جاز وإن أعطى حقة وثلاث بنات لبون مع كل بنت لبون جبران ففيه وجهان : ( أحدهما ) : يجوز كما يجوز في ثلاث حقاق وبنت لبون ( والثاني ) : لا يجوز ; لأنه يمكنه أن يعطي ثلاث حقاق وبنت لبون وجبرانا واحدا ، فلا يجوز ثلاث جبرانات ; ولأنه إذا أعطى ثلاث بنات لبون مع الجبران ترك بعض الفرض وعدل إلى الجبران ، فلم يجز ، كما لا يجوز أخذ الجبران إذا وجد [ ص: 377 ] أحدهما كاملا ، وإن وجد الفرضين معيبين لم يأخذ بل يقال له : إما أن تشتري الفرض الصحيح ، وإما أن تصعد مع الجبران أو تنزل مع الجبران . وإن كانت الإبل أربعمائة وقلنا : إن الواجب أحد الفرضين جاز أن يأخذ عشر بنات لبون أو ثماني حقاق ، فإن أراد أن يأخذ عن مائتين أربع حقاق ، وعن مائتين خمس بنات لبون جاز .

                                      وقال أبو سعيد الإصطخري : لا يجوز كما لا يجوز ذلك في المائتين ، والمذهب الأول ; لأنهما فريضتان ، فجاز أن يأخذ في إحداهما جنسا وفي الأخرى جنسا آخر ، كما لو كان عليه كفارتا يمين ، فأخرج في إحداهما الكسوة وفي الأخرى الطعام ) : .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : قال أصحابنا رحمهم الله تعالى : إذا بلغت الماشية حدا يخرج فرضه بحسابين كالمائتين من الإبل ، فهل الواجب خمس بنات لبون أم أربع حقاق ؟فيه نصان قال في القديم : الحقاق وقال في الجديد : أحدهما . وللأصحاب طريقان : ( أحدهما ) : : القطع بالجديد ، وتأولوا القديم على أنه أراد أن الحقاق أنفع للمساكين لا أنها تجب مطلقا ( وأصحهما وأشهرهما ) : فيه قولان : ( أصحهما ) : باتفاقهم الفرض أحدهما : ( والثاني ) : الفرض الحقاق حتما ، فإن قلنا بهذا أو وجد الحقاق بصفة الإجزاء من غير نفاسة تعين إخراجها وإلا نزل إلى بنات اللبون أو صعد إلى الجذاع مع الجبران كما سبق ، وإن شاء اشترى الحقاق ، ولم يذكر المصنف تفريع هذا القول لضعفه . وإن قلنا بالمذهب : إن الواجب أحدهما ، فللمال خمسة أحوال ، أحدها أن يوجد فيه القدر الواجب من أحد الصنفين بكماله دون الآخر ، فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الآخر بلا خلاف ، لما ذكره المصنف . قال أصحابنا : وسواء كان الصنف الآخر أنفع للمساكين أم لا . ونقل الماوردي وغيره الاتفاق على هذا . قال أصحابنا : ولا يجوز والحالة هذه الصعود ولا النزول مع الجبران ; لأنه لا ضرورة إليه . قالوا : وسواء عدم كل الصنف الآخر أم بعضه . وكذا لو وجد الصنفان وأحدهما معيب فهو كالمعدوم ( الحال الثاني ) : ألا يوجد في ماله شيء من الصنفين أو يوجدا وهما معيبان ، فإذا أراد تحصيل أحدهما بشراء أو غيره ، فله أن يحصل أيهما شاء ، فإذا حصل أحدهما صار واجدا له ، ووجب قبوله منه وإن كان الآخر أنفع [ ص: 378 ] للمساكين . هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور في الطريقتين . وفيه وجه حكاه إمام الحرمين وغيره أنه يتعين شراء الأجود للمساكين ، وهو الوجه الضعيف الذي قدمناه عن الخراسانيين أنه إذا لزمه بنت مخاض ولم يجدها ولا وجد ابن لبون أن يتعين عليه شراء بنت مخاض ولا يجزئه ابن لبون والمذهب القطع بجواز ابن لبون ، وكذا هنا المذهب جواز شراء المفضول ; لأنه إذا اشتراه صار موجودا عنده . قال المصنف والأصحاب : وله ألا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون ، بل ينزل أو يصعد مع الجبران ، والأصحاب على هذا ، لكن قالوا ينزل من بنات لبون إلى خمس بنات مخاض ويدفع خمس جبرانات أو يصعد من الحقاق إلى أربع جذاع ، ويأخذ أربع جبرانات . قال أصحابنا : ولا يجوز أن يصعد من خمس بنات لبون إلى خمس جذاع ، ويأخذ عشر جبرانات . ولا أن ينزل من أربع حقاق إلى أربع بنات مخاض ، ويدفع ثماني جبرانات هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير في الطريقتين ; لأن الجبران خلاف الأصل ، وإنما جاز للضرورة في موضعه ولا ضرورة هنا إلى النزول أو الصعود بسنين . وحكى الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق وصاحب الشامل وغيرهما وجها أنه يجوز النزول والصعود هنا بسنين كما لو لزمه حقة ، فلم يجد إلا بنت مخاض ، فإنها تكفيه مع جبرانين أو لزمه بنت مخاض ، فلم يجد إلا حقة فدفعها وطلب جبرانين ، فإنه يقبل . قال أبو محمد : والفرق على المذهب أن في صورتي الاستشهاد لا يتخطى واجب ماله وفيما نحن فيه يتخطى ، قال أصحابنا : ولو عدم الفرضين وما ينزل إليه وما يصعد إليه فله أن يشتري ما شاء إن شاء أحد الفرضين وإن شاء أعلى منهما أو أسفل مع الجبران كما سبق ، قال الجرجاني وغيره : وشراء الفرض أفضل والله تعالى أعلم .

                                      ( الحال الثالث ) : أن يوجد الصنفان بصفة الإجزاء من غير نفاسة ، فالمذهب أنه يجب الأغبط للمساكين ، وهذا هو المنصوص للشافعي ، وبه قال جمهور أصحابنا المتقدمين وقطع به جماعات من المصنفين وصححه [ ص: 379 ] الباقون . وقال ابن سريج : المالك بالخيار لكن يستحب له إخراج الأغبط للمساكين ، إلا أن يكون ولي محجور عليه فيراعى حظه فإذا قلنا بالمذهب فأخذ الساعي غير الأغبط ففيه ستة أوجه ، أصحها : وبه قطع المصنف وكثيرون ، وصححه الباقون أنه إن كان ذلك بتقصير من المالك بأن أخفى الأغبط أو من الساعي بأن علم أنه غير الأغبط أو ظنه بغير اجتهاد وتأمل أو بهما لم يقع المأخوذ عن الزكاة ، وإن لم يقصر أحد منهما وقع عن الزكاة ( والوجه الثاني ) : إن كان المأخوذ باقيا في يد الساعي لم يقع عن الزكاة وإن لم يقصرا وإلا وقع عنها . قاله أبو علي بن خيران وقطع به البغوي ( والثالث ) : إن فرقه على المستحقين من أهل الزكاة وظهر الحال حسب عن الزكاة بكل حال وإلا فلا ( والرابع ) : إن دفعه المالك مع علمه بأنه الأدنى لم يجزئه وإن كان جاهلا أجزأه ولا نظر إلى الساعي ( والخامس ) : لا يجزئه بكل حال ( والسادس ) : يجزئه بكل حال . حكاه القاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ وآخرون . وحيث قلنا : لا يقع عن الزكاة لزمه إخراجها مرة أخرى ، وعلى الساعي رد ما أخذه إن كان باقيا وقيمته إن كان تالفا . وحيث قلنا يقع عنها يؤمر بإخراج قدر التفاوت . وهل هو مستحب أم واجب ؟ فيه وجهان : مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب ( أحدهما ) : مستحب ووجهوه بالقياس بما إذا أدى اجتهاد الإمام إلى أخذ القيمة عن الزكاة وأخذها لا يجب شيء آخر ( وأصحهما ) : أنه واجب . صححه أصحابنا قال المصنف وغيره : هو ظاهر النص ; لأنه لم يدفع الفرض بكماله ، فوجب جبر نقصه قال المتولي وغيره : وإذا قلنا : يقع عن الزكاة وكان باقيا يستحب استرداده ودفع الأغبط للخروج من الخلاف وللرفق بالمساكين . قال أصحابنا : ويعرف التفاوت بالنظر إلى القيمة . فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسين ، وقد أخذ الحقاق وجب خمسون وإن كانت أربعمائة وعشرة وجب عشرة فإن كان التفاوت يسيرا لا يحصل به شقص من ناقة دفع دراهم للضرورة ، هكذا قاله المصنف [ ص: 380 ] والأصحاب في جميع طرقهم إلا صاحب التقريب ، فإنه أشار إلى أنه يتوقف فيه ، وهو شاذ باطل ، وإن حصل به شقص فوجهان مشهوران حكاهما المصنف والأصحاب .

                                      ( أحدهما ) : يجب شراؤه ; لأنه يمكن الوصول إلى جزء من الفرض ، ولا تجزئ فيه القيمة ( وأصحهما ) : لا يجب ، بل يجوز دفع الدراهم بنفسها ، واتفقوا على تصحيحه فممن صرح بتصحيحه صاحب الشامل والمستظهري والرافعي وآخرون ، ووجهوه بأنه يتعذر في العادة أو يشق ، قالوا : ; ولأنه يعدل في الزكاة إلى غير الجنس الواجب للضرورة ، كمن وجب عليه شاة في خمس من الإبل ، ففقد الشاة ، ولم يمكنه تحصيلها ، فإنه يخرج قيمتها دراهم ويجزئه ، وكمن لزمه بنت مخاض ، فلم يجدها ، ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن ، فإنه يعدل إلى القيمة قال أصحابنا : فإن جوزنا الدراهم فأخرج شقصا جاز باتفاقهم . قال إمام الحرمين : وفيه أدنى نظر لما فيه من العسر على المساكين . وإن أوجبنا شراء شقص ففيه أربعة أوجه ( أصحهما ) : يجب أن يشتريه من جنس الأغبط ; لأنه الأصل ( والثاني ) : يجب من المخرج لئلا يتبعض المخرج ( والثالث ) : يتخير بينهما واختاره إمام الحرمين ( والرابع ) : يجب شقص من بعير أو شاة ولا تجزئ بقرة ; لأنها لا تدخل في زكاة الإبل ، وبهذا قطع صاحب الحاوي . وحيث قلنا يخرج شقصا وجب تسليمه إلى الساعي إن أوجبنا ، صرف زكاة الأموال الظاهرة إلى الإمام أو الساعي ، وإن أخرج الدراهم وقلنا : يجب تسليم الظاهرة إلى الإمام أو الساعي ، فهنا وجهان : حكاهما البغوي وآخرون ( أصحهما ) : يجب صرفها إلى الساعي ; لأنه جبران المال الظاهر ( والثاني ) : يجوز للمالك أن يصرفها بنفسه على الأصناف ; لأن الدراهم من الأموال الباطنة . هذا كله إذا قلنا : دفع التفاوت واجب ، فإن قلنا : مستحب ، فله أن يفرقه كيف شاء ، ولا يتعين لاستحبابه الشقص بالاتفاق ، ثم إن الأصحاب أطلقوا عباراتهم بإخراج التفاوت دراهم . وقال الماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد وإمام الحرمين وغيرهم : دراهم أو دنانير ومراد الجميع نقد البلد إن [ ص: 381 ] كان دراهم فدراهم وإن كان دنانير فدنانير ، وقد صرح بهذا القاضي حسين في تعليقه والشيخ إبراهيم المروزي وآخرون والله أعلم .

                                      ( الحال الرابع ) : أن يوجد بعض كل واحد من الصنفين ، بأن يجد ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فهو بالخيار بين أن يجعل الحقاق أصلا فيدفعها مع بنت لبون وجبران . وبين أن يجعل بنات اللبون أصلا فيدفعها مع حقة ويأخذ جبرانا . قال البغوي وغيره : ويجوز دفع بنات اللبون مع بنات مخاض وجبران ، ويجوز دفع الحقاق مع جذعة ، ويأخذ جبرانا ، وهل يجوز أن يدفع حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات ؟ فيه وجهان : مشهوران ، ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) : : الجواز ، صححه إمام الحرمين والغزالي وغيرهما ، حتى قال إمام الحرمين الوجه القائل بالمنع مزيف لا أصل له ، ووجه الجواز أن الشرع أقام بنت اللبون مع الجبران مقام حقة ، ووجه الإجزاء أنه لا يصار إلى الجبران إذا أمكن الاستغناء عنه ، وصحح البندنيجي : هذا ، ولو لم يجد إلا أربع بنات لبون وحقة فدفع الحقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات ، ففيه الوجهان : ويجريان في نظائرها والأصح في الجميع الجواز .

                                      ( الحال الخامس ) : أن يوجد بعض أحد الصنفين ولا يوجد من الآخر شيء بأن لم يجد إلا حقتين فله إخراجهما مع جذعتين ويأخذ جبرانين ، وله أن يجعل بنات اللبون أصلا ، فيخرج خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات ، ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون فله إخراجهن مع بنتي مخاض وجبرانين وله أن يجعل الحقاق أصلا فيخرج أربع جذعات بدلها ، ويأخذ أربع جبرانات ، هكذا ذكر البغوي الصورتين ، ولم يذكر فيهما خلافا ، قال الرافعي : وينبغي أن يكون فيهما الوجهان : السابقان في الحال الرابع ، قال : ولعله فرعه على الأصح والله أعلم .



                                      ( فرع ) : إذا بلغت البقر مائة وعشرين ففيها أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات ، وحكمها حكم بلوغ الإبل مائتين في جميع ما ذكرناه من الخلاف والتفريع وفاقا وخلافا .



                                      [ ص: 382 ] فرع ) : قال أصحابنا : لو أخرج صاحب الإبل حقتين وبنتي لبون ونصفا لم يجز بالاتفاق ; لأن الواجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون ، ولم يخرج واحدا منهما ، ولو ملك أربعمائة فعليه ثمان حقاق أو عشر بنات لبون ، ويعود فيها من الخلاف والتفريع جميع ما سبق في المائتين ، ولو أخرج عنها خمس بنات لبون وأربع حقاق جاز على الصحيح الذي قاله الجمهور ، وصححه المصنف وسائر المصنفين ، ومنعه الإصطخري لتفريق الواجب ، كما لو فرقه في المائتين ، وأجاب الجمهور بأن كل مائتين أصل منفرد ، فصار ككفارتي يمينين وأنه يجوز أن يطعم في إحداهما ويكسو في الأخرى بلا خلاف .

                                      وأما المائتان فالتفريق فيها كتفريق كفارة واحدة ، وأجابوا بجواب آخر ، وهو أن منع التفريق في المائتين ليس هو لمجرد التفريق بل المانع تشقيص ، ولهذا لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون ، أو أربع بنات لبون وحقة جاز بالاتفاق ، وقد زاد خيرا ; لأن ذلك يجزئ عما فوق مائتين فعن مائتين أولى ويجرى خلاف الإصطخري متى بلغ المال ما يخرج منه بنات اللبون والحقاق فلا تشقيص والمذهب الجواز ، ويجرى مثله في البقر إذا بلغت مائتين وأربعين .

                                      ( فإن قيل ) : ذكرتم أن الساعي يأخذ الأغبط ، ويلزم من هذا أن يكون أغبط الصنفين هو المخرج ، وكيف يجوز البعض من هذا ؟ والبعض من ذاك ؟ قال الرافعي : ( الجواب ) : ما أجاب به ابن الصباغ قال : يجوز أن يكون لهم حظ ومصلحة في اجتماع النوعين ، قال : وفي هذا تصريح من ابن الصباغ بأن الغبطة غير منحصرة في زيادة القيمة ، لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة يتعذر إخراج قدر التفاوت ، هذا كلام الرافعي ، ويجاب عن اعتراضه على ابن الصباغ بأن التفاوت في معظم الأحوال يكون في القيمة وقد يكون في غير القيمة وقد قال ابن الصباغ والمتولي : إن الساعي لا يفعل التبعيض إلا على قدر المصلحة إذا قلنا بالمذهب والمنصوص وهو وجوب الأغبط للمساكين ، فأما على قول ابن سريج : إن الخيار للمالك ، فصورة المسألة ظاهرة والله تعالى أعلم .

                                      ( فرع ) : في ألفاظ الكتاب ( قوله ) : لما روى سالم في نسخة كتاب [ ص: 383 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم " { فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون } " هذا الحديث رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما ، في بعض طرق حديث ابن عمر السابق في أول الباب ، ولفظه في الإبل " { فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون ، أي السنين وجدت أخذت } وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، وروى هذا الحديث عن أبيه ، ولكن هذه الزيادة المذكورة لم يذكر سالم سماعه لها من أبيه ، ولكن قرأها من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوله ) : اختار المصدق أنفعهما للمساكين ، قد سبق أن المصدق بتخفيف الصاد هو الساعي وهو المراد هنا ، وأما لفظ المساكين فيستعمله المصنف والأصحاب في هذا الموضع ونظائره ، ويريدون به أصحاب السهمان كلهم وهم الأصناف الثمانية ، ولا يريدون به المساكين الذين هم أحد الأصناف وكذلك يطلقون الفقراء في مثل هذا ويريدون به جميع الأصناف ، وذلك لكون الفقراء والمساكين أشهر الأصناف وأهمهم والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية