الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا تجب الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول ، لأنه روي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وهو مذهب فقهاء المدينة وعلماء الأمصار ، ولأنه لا يتكامل نماؤه قبل الحول فلا تجب فيه الزكاة ، فإن باع النصاب في أثناء الحول أو بادل به نصابا آخر انقطع الحول فيما باع ، وإن مات في أثناء الحول ففيه قولان ( أحدهما ) ينقطع الحول لأنه زال ملكه عنه فصار كما لو باعه .

                                      ( والثاني ) لا ينقطع ، بل يبني الوارث على حوله ، لأن ملك الوارث مبني على ملك المورث ، ولهذا لو ابتاع شيئا معيبا فلم يرد حتى مات قام وارثه مقامه في الرد بالعيب ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هذا المذكور عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم صحيح عنهم ، رواه البيهقي وغيره ، وقد روي عن علي وعائشة رضي الله عنهما [ ص: 328 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } وإنما لم يحتج المصنف بالحديث لأنه حديث ضعيف ، فاقتصر على الآثار المفسرة . قال البيهقي : الاعتماد في اشتراط الحول على الآثار الصحيحة ، فيه عن أبي بكر الصديق وعثمان وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ، قال العبدري : أموال الزكاة ضربان .

                                      ( أحدهما ) ما هو نماء في نفسه كالحبوب والثمار ، فهذا تجب الزكاة فيه لوجوده ( والثاني ) ما هو مرصد للنماء كالدراهم والدنانير وعروض التجارة والماشية فهذا يعتبر فيه الحول فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول ، وبه قال الفقهاء كافة ، قال : وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم : تجب الزكاة فيه يوم ملك النصاب ، قال : فإذا حال الحول وجبت زكاة ثانية والله أعلم . وأما قول المصنف : وإن باع النصاب في أثناء الحول أو بادل به انقطع الحول فيما باع ، هكذا هو في كل النسخ : ( انقطع الحول فيما باع ) وهو ناقص ، ومراده انقطع الحول فيما باع وفيما بادل به ، ولا فرق بينهما بلا خلاف من أصحابنا . واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن بقاء الماشية في ملكه حولا كاملا شرط الزكاة ، فلو زال الملك في لحظة من الحول ثم عاد انقطع الحول ، واستأنف الحول من حين يجدد الملك ، ولو بادل بماشيته ماشية من جنسها أو من غيره استأنف كل واحد منهما الحول على ما أخذه من حين المبادلة ، وكذا لو بادل الذهب بالذهب والفضة بالفضة استأنف الحول إن لم يكن صيرفيا يبدلها للتجارة ، وكذا إن كان صيرفيا على الأصح . وقد ذكر المصنف المسألة في باب زكاة التجارة وسنوضحها هناك إن شاء الله تعالى . هذا كله في المبادلة الصحيحة أما الفاسدة فلا ينقطع الحول ، سواء اتصل بالقبض أم لا ، لأن الملك باق . فلو كانت سائمة وعلفها المشتري . قال البغوي : هو كعلف الغاصب . وفي قطع الحول الوجهان ( الأصح ) يقطع : قال ابن كج : وعندي أنه يقطع قولا واحدا لأنه مأذون له . فهو كالوكيل بخلاف الغاصب ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشتري فهو كإسامة الغاصب .



                                      [ ص: 329 ] أما ) إذا باع النصاب أو بادل به قبل تمام الحول - ووجد المشتري به عيبا قديما - فينظر إن لم يمض عليه حول من حين الشراء . فله الرد بالعيب . فإذا رد استأنف المردود عليه الحول من حين الرد ، سواء رد قبل القبض أم بعده . وإن مضى حول من حين الشراء ، ووجبت فيه الزكاة نظر - إن لم يخرجها بعد - فليس له الرد ، سواء قلنا : الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة ، لأن للساعي أن يأخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشتري . وهذا عيب حادث يمنع الرد ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلى أداء الزكاة ، لأنه غير متمكن منه قبله ، وإنما يبطل الرد بالتأخير مع التمكن من الرد . قال أصحابنا : ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة والماشية التي تجب زكاتها من غير جنسها . وهي الإبل ، ما لم تبلغ خمسة وعشرين . وبين سائر الأموال . وفي كلام ابن الحداد تجويز الرد قبل إخراج الزكاة وغلطوه فيه ، قال الرافعي : وأثبته الأصحاب وجها . وإن أخرج الزكاة نظر - إن أخرجها من موضع آخر - بنى جواز الرد على أن الزكاة تتعلق بالعين أم بالذمة ، فإن قلنا : بالذمة ; والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشتراه ثم انفك الرهن ووجد به عيبا . وإن قلنا : إن الزكاة تتعلق بالعين - والمساكين شركاء - فهل له الرد ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) وهو الصحيح عند الشيخ أبي علي السنجي وقطع به كثير من الخراسانيين : له الرد . ( والثاني ) وبه قطع العراقيون والصيدلاني وغيره من الخراسانيين أنه على وجهين ( أصحهما ) له الرد . وهما كما لو اشترى شيئا وباعه وهو جاهل بعيبه . ثم اشتراه أو ورثه هل له رده ؟ وسيأتي فيه خلاف في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى . وحكى الرافعي وجها : أنه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا ، لأن ما أخرجه من الزكاة قد يظهر مستحقا فيأخذ الساعي من نفس النصاب . قال : ومنهم من خص الوجه بقدر الزكاة وجعل الزائد على قولي تفريق الصفقة وهذا الوجه شاذ ضعيف . وإن أخرج الزكاة من نفس المال فإن كان الواجب من جنس المال أو من غير جنسه فباع منه بقدر الزكاة فهل له الرد ؟ فيه ثلاثة أقوال . [ ص: 330 ] أحدها ) وهو المنصوص في الزكاة ليس له الرد . وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقة وعلى هذا هل يرجع بالأرش ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يرجع إن كان المخرج في يد المساكين ، لأنه قد يعود إلى ملكه فيرد الجميع . وإن كان تالفا رجع به ، ( والثاني ) يرجع مطلقا وهو الأصح وظاهر النص ، لأن نقصانه كعيب حدث . ولو حدث عيب رجع بالأرش ولم ينتظر زوال العيب .

                                      ( والقول الثاني ) يرد الباقي بحصته من الثمن . وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة .

                                      ( والقول الثالث ) يرد الباقي ، وقيمة المخرج في الزكاة . ويسترد كل الثمن ليحصل به غرض الرد ولا تتبعض الصفقة . ولو اختلفا في قيمة المخرج على هذا القول فقال البائع : ديناران وقال المشتري : دينار فقولان وقيل : وجهان .

                                      ( أحدهما ) القول قول المشتري ; لأنه غارم ، ( والثاني ) قول البائع لأن ملكه ثابت على الثمن . ولا يسترد منه إلا ما أقر به . وحكم الإقالة حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرناه ، ( أما ) إذا باع النصاب في أثناء الحول بشرط الخيار وفسخ البيع . فإن قلنا الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف ، بني على حوله . وإن قلنا : للمشتري استأنف البائع الحول بعد الفسخ ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) : إذا مات في أثناء الحول وانتقل المال إلى وارثه هل يبنى على الحول ؟ فيه القولان اللذان ذكرهما المصنف . وهما مشهوران ( أصحهما ) باتفاقهم لا يبنى بل يستأنف حولا من حين انتقل إليه الملك . وهذا نصه في الجديد ( ، والثاني ) وهو القديم أنه يبنى على حول الميت ; لأنه يقوم مقامه في الرد بالعيب وغيره . واحتجوا للجديد بأنه زال ملكه كما لو باعه . وفرقوا بينه وبين الرد بالعيب بأن الرد حق للمال ، فانتقل إلى صاحب المال . والزكاة حق في المال . وحكى الرافعي طريقا آخر قاطعا بأنه لا يبنى ، [ ص: 331 ] وأنكروا القديم ، والمذهب أنه لا يبنى فعلى هذا إن كان الموروث مال تجارة لم ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة : وإن كان سائمة ، ولم يعلم الوارث الحال حتى حال الحول ، فهل يلزمه الزكاة أم يبتدئ الحول من وقت علمه ؟ فيه وجهان بناء على أن قصد السوم هل يشترط ؟ وقد سبق بيانه .



                                      ( فرع ) : لو ارتد في أثناء الحول إن قلنا : يزول ملكه بالردة - انقطع الحول ، فإن أسلم استأنف ، وفيه وجه أنه لا ينقطع ، بل يبنى كما بنى الوارث على قول حكاه صاحب البيان [ ] والرافعي وإن قلنا : لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه ، وإن قلنا : موقوف فإن هلك على الردة تبينا الانقطاع من وقت الردة ، وإن أسلم تبينا استمرار الملك .



                                      ( فرع ) : قال أصحابنا : لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في أثناء الحول بين من يفعله محتاجا إليه وبين من قصد الفرار من الزكاة ، ففي الصورتين ينقطع الحول بلا خلاف ، ولكن يكره الفرار كراهة تنزيه ، وقيل حرام وليس بشيء وسنوضح المسألة إن شاء الله تعالى في باب زكاة الثمار حيث ذكرها المصنف .




                                      الخدمات العلمية