الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( الزكاة ركن من أركان الإسلام ، وفرض من فروضه ، والأصل فيه قوله عز وجل { : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } وروى أبو هريرة قال { كان رسول [ ص: 296 ] الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان ، ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا علي الرجل فلم يروا شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ، وتقدم بيان اللغات في جبريل في مواقيت الصلاة ، وقوله عز وجل { وأقيموا الصلاة } قال العلماء : إقامتها إدامتها والمحافظة عليها بحدودها ، يقال قام بالأمر وأقامه إذا أتى به موفيا حقوقه قال أبو علي الفارسي : أشبه من أن تفسر بيتمونها ، والمراد جنس الصلاة الواجبة وذكر أصحابنا في كتب الأصول والفروع خلافا في هذه هل هي مجملة أم لا ؟ فقالوا : قال أبو إسحاق المروزي وغيره من أصحابنا هي مجملة . قال البندنيجي : هذا هو المذهب لأن الزكاة لا تجب إلا في مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا ، ويجب قدر مخصوص وليس في الآية بيان شيء من هذا ، فهي مجملة بينتها السنة إلا أنها تقتضي أصل الوجوب . وقال بعض أصحابنا : ليست مجملة ، بل هي عامة ، بل كل ما تناوله اسم الزكاة فالآية تقتضي وجوبه والزيادة عليه تعرف بالسنة . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون من أصحابنا : فائدة الخلاف أنا إذا قلنا : مجملة فهي حجة في أصل وجوب الزكاة ولا يحتج بها في مسائل الخلاف ، وإن قلنا : ليست مجملة كانت حجة في أصل وجوب الزكاة وفي مسائل الخلاف تعلقا بعمومها والله أعلم . وأما قوله صلى الله عليه وسلم " وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة " فخالف بين اللفظين لقول الله تعالى { : إن الصلاة كانت على المؤمنين } وثبت في أحاديث كثيرة وصف الصلاة بالمكتوبة لحديث { : خمس صلوات كتبهن الله } وحديث { : أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } " وسمى الزكاة مفروضة لأنها مقدرة ، ولأنها تحتاج إلى تقدير الواجب ، ولهذا سمى ما يخرج في الزكاة فرائض . وفي الصحيحين { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر } وفي صحيح البخاري في كتاب [ ص: 297 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه فريضة الصدقة " . وقيل غاير بين اللفظين لئلا يتكرر اللفظ ، والفصاحة والبلاغة تمنع تكريره ، والله أعلم . وأما قول المصنف : الزكاة ركن وفرض فتوكيد وبيان ، لكونه يصح تسمية الزكاة ركنا وفرضا ، وقد استعمل المصنف مثل هذه العبارة في الصوم والحج ، والله أعلم .

                                      ( وأما حكم المسألة ) فالزكاة فرض وركن بإجماع المسلمين ، وتظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية