الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان [النور: 21. 28] أي لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وما تذرون [ ص: 124 ] والكلام كناية عن اتباع الشيطان وامتثال وساوسه فكأنه قيل: لا تتبعوا الشيطان في شيء من الأفاعيل التي من جملتها إشاعة الفاحشة وحبها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع والبزي في رواية ابن ربيعة عنه وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة «خطوات» بسكون الطاء وقرئ بفتحها وهو في جميع ذلك جمع خطوة بضم الخاء وسكون الطاء اسم لما بين القدمين، وأما الخطوة بفتح الخاء فهو مصدر خطا، والأصل في الاسم إذا جمع أن تحرك عينه فرقا بينه وبين الصفة فيضم اتباعا للفاء أو بفتح تخفيفا وقد يسكن ومن يتبع خطوات الشيطان وضع الظاهران موضع ضميري الخطوات والشيطان حيث لم يقل ومن يتبعها أو من يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة فإنه يأمر بالفحشاء هو ما أفرط قبحه كالفاحشة والمنكر هو ما ينكره الشرع، وضمير إنه للشيطان وقيل للشأن وجواب الشرط مقدر سد ما بعد الفاء مسده وهو في الأصل تعليل للجملة الشرطية وبيان لعلة النهي كأنه قيل: من يتبع الشيطان ارتكب الفحشاء والمنكر فإنه لا يأمر إلا بهما ومن كان كذلك لا يجوز اتباعه وطاعته، وقد قرر ذلك النسفي وابن هشام في الباب الخامس من المغني. وتعقب بأنه يأباه ما نص عليه النحاة من أن الجواب لا يحذف إلا إذا كان الشرط ماضيا حتى عدوا من الضرورة قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      لئن تك قد ضاقت علي بيوتكم ليعلم ربي أن بيتي أوسع



                                                                                                                                                                                                                                      وأجيب بأن الآية ليست من قبيل ما ذكروه في البيت فإنه مما حذف فيه الجواب رأسا وهذا مما أقيم مقامه ما يصح جعله جوابا بحسب الظاهر، وقال أبو حيان : الضمير عائد على من الشرطية ولم يعتبر في الكلام حذفا أصلا، والمعنى على ذلك من يتبع الشيطان فإنه يصير رأسا في الضلال بحيث يكون آمرا بالفحشاء والمنكر وهو مبني على اشتراط ضمير في جواب الشرط الاسمي يعود إليه وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولولا فضل الله عليكم ورحمته بما من جملته إنزال هاتيك الآيات البينات والتوفيق للتوبة الممحصة من الذنوب وكذا شرع الحدود المكفر لما عدا الردة منها على ما ذهب إليه جمع وأجابوا عن حديث أبي هريرة السابق آنفا بأنه كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم بذلك ( ما زكى ) أي ما طهر من دنس الذنوب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ روح والأعمش «ما زكى» بالتشديد والإمالة، وكتب «زكي» المخفف بالياء مع أنه من ذوات الواو وحقها أن تكتب بالألف، قال أبو حيان : لأنه قد يمال أو حملا على المشدد، ومن في قوله تعالى: منكم بيانية، وفي قوله سبحانه: من أحد سيف خطيب ( وأحد ) في حيز الرفع على الفاعلية على القراءة الأولى وفي محل النصب على المفعولية على القراءة الثانية والفاعل عليها ضميره تعالى أي ما زكى الله تعالى منكم أحدا أبدا لا إلى غاية ولكن الله يزكي يطهر من يشاء من عباده بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه وحمله على التوبة وقبولها منه كما فعل سبحانه بمن سلم عن داء النفاق ممن وقع في شرك الإفك منكم.

                                                                                                                                                                                                                                      والله سميع مبالغ في سمعه الأقوال التي من جملتها ما أظهروه من التوبة عليم بجميع المعلومات التي من جملتها نياتهم، وفيه حث لهم على الإخلاص في التوبة، وإظهار الاسم الجليل للإيذان باستدعاء [ ص: 125 ] الألوهية للسمع والعلم مع ما فيه من تأكيد الاستقلال التذييلي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية