الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

488 . والتاسع : الإذن بما أجيزا لشيخه ، فقيل : لن يجوزا      489 . ورد ، والصحيح : الاعتماد
عليه قد جوزه النقاد      490 . أبو نعيم ، وكذا ابن عقده
والدارقطني ونصر بعده [ ص: 433 ]      491 . والى ثلاثا بإجازة وقد
رأيت من والى بخمس يعتمد      492 . وينبغي تأمل الإجازه
فحيث شيخ شيخه أجازه      493 . بلفظ ما صح لديه لم يخط
ما صح عند شيخه منه فقط

التالي السابق


والنوع التاسع من أنواع الإجازة : إجازة المجاز ، كقوله : أجزت لك مجازاتي ، ونحو ذلك . فمنع جواز ذلك الحافظ أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن الأنماطي - أحد شيوخ ابن الجوزي - وصنف جزءا في منع ذلك . وذلك أن الإجازة ضعيفة; فيقوى الضعف باجتماع إجازتين ، وحكاه الحافظ أبو علي البرداني عن بعض منتحلي الحديث ، ولم يسمه ، وقد أبهمه ابن الصلاح ، فعبر عنه بقوله : بعض من لا يعتد به من المتأخرين ، قال : والصحيح الذي عليه العمل أن ذلك جائز ، ولا يشبه ذلكما امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكل . وحكى الخطيب تجويزه عن الدارقطني وأبي العباس بن عقدة ، وفعله الحاكم في تأريخه . قال ابن طاهر : ولا يعرف بين القائلين بالإجازة خلاف في العمل بإجازة الإجازة ، وقال أبو نعيم : الإجازة على الإجازة قوية جائزة .

[ ص: 434 ] وقولي : ( ونصر ) هو مبتدأ ، خبره : ( والى ثلاثا ) ، أي : بين ثلاث أجائز ، ويجوز أن يكون نصر معطوفا على الدارقطني ، فإن فعل نصر له دال على جوازه عنده ، وهو الفقيه : نصر بن إبراهيم المقدسي ، قال محمد بن طاهر : سمعته ببيت المقدس يروي بالإجازة عن الإجازة ، وربما تابع بين ثلاث منها . وذكر أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ ، أن أبا الفتح ابن أبي الفوارس ، حدث بجزء من العلل لأحمد بإجازته من أبي علي بن الصواف ، بإجازته من عبد الله بن أحمد ، بإجازته من أبيه . قلت : وقد رأيت في كلام غير واحد من الأئمة وأهل الحديث ، الزيادة على ثلاث أجائز ، فرووا بأربع أجائز متوالية ، وخمس ، وقد روى الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبي في " تاريخ مصر " عن عبد الغني بن سعيد الأزدي بخمس أجائز متوالية في عدة مواضع . وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة ، أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه لشيخه ، ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها ، فربما قيدها بعضهم بما صح عند المجاز ، أو بما سمعه المجيز فقط ، أو بما حدث به من مسموعاته أو غير ذلك . فإن كان أجازه بلفظ : أجزت له ما صح عنده من سماعاتي; فليس للمجاز الثاني أن يروي عن المجاز الأول إلا ما علم أنه صح عنده أنه من سماع شيخه الأعلى . ولا يكتفي بمجرد صحة الإجازة" ، وكذلك إن قيدها بسماعه ، لم يتعد إلى مجازاته .

وقد غلط غير واحد من الأئمة ، وعثر بسبب هذا . فمن ذلك : أن الإمام أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الأندرشي ، المعروف بابن اليتيم ، - أحد من رحل وجال [ ص: 435 ] في البلاد ، وسمع ببلاد المغرب ، ومصر ، والشام ، والعراق ، وخراسان ، وأخذ عن السلفي وابن عساكر والسهيلي وابن بشكوال وعبد الحق الإشبيلي وخلق - ذكر إسناده في الترمذي عن أبي طاهر السلفي عن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الحداد ، عن إسماعيل بن ينال المحبوبي ، عن أبي العباس المحبوبي ، عن الترمذي ، هكذا ذكر الحافظ أبو جعفر بن النرسي : أنه وجده بخط ابن اليتيم .

ووجه الغلط فيه : أن فيه إجازتين : إحداهما : أن ابن ينال أجاز للحداد ، ولم يسمعه منه . والثانية : أن الحداد أجاز للسلفي ما سمعه فقط ، فلم يدخل الترمذي في إجازته للسلفي . وذكر النرسي : أن السلفي وهم في ذلك قديما ثم تذكر ورجع عن هذا السند . قال : ومن هنا تكلم أبو جعفر بن الباذش في السلفي ، وعذر الناس السلفي ، فقد رجع عنه . قال : وتكلم الناس في ابن اليتيم : قال : وما أظن الباعث لذلك إلا ما ذكرته . انتهى . وقد بين السلفي صورة إجازة الحداد له في فهرسته فيما أخبرني به محمد بن محمد بن يحيى القرشي ، قال : أخبرنا عيسى بن يحيى السبتي ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراوي ، أخبرني أبو طاهر السلفي ، قال : كان أبو الفرج الحداد يرويه ، أي : كتاب الترمذي ، قال : ولم يجز لي ما أجيز له ، بل ما سمعه فقط ، قال : كتب إلي إسماعيل بن ينال المحبوبي من مرو . انتهى .

[ ص: 436 ] قلت : وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ، لا يجيز رواية سماعه كله بل يقيده بما حدث به من مسموعاته ، هكذا رأيته بخطه في عدة إجازات ، ولم أر له إجازة تشمل مسموعه; وذلك أنه كان شك في بعض سماعاته فلم يحدث به ولم يجزه ، وهو سماعه على ابن المقير ، فمن حدث عنه بإجازته منه بشيء مما حدث به من مسموعاته فهو غير صحيح ، وينبغي التنبه لهذا وأمثاله .




الخدمات العلمية