الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          كتاب الطلاق واللعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في طلاق السنة

                                                                                                          1175 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن يونس بن جبير قال سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض فقال هل تعرف عبد الله بن عمر فإنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها قال قلت فيعتد بتلك التطليقة قال فمه أرأيت إن عجز واستحمق [ ص: 285 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 285 ] الطلاق في اللغة : حل الوثاق مشتق من الإطلاق ، وهو الإرسال والترك ، وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط ، وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي ، قال إمام الحرمين : هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وفتحها أيضا ، وهو أفصح وطلقت أيضا بضم أوله ، وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهو خاص بالولادة ، والمضارع فيهما بضم اللام ، والمصدر في الولادة طلقا ساكنة اللام فهي طالق فيهما ، كذا في فتح الباري ، واللعان مصدر لاعن يلاعن ملاعنة ولعانا ، وهو مشتق من اللعن ، وهو الطرد والإبعاد لبعدهما من الرحمة ، أو لبعد كل منهما عن الآخر ، ولا يجتمعان أبدا ، واللعان والالتعان والملاعنة بمعنى ، ويقال تلاعنا والتعنا ، ولاعن الحاكم بينهما ، وهو شرعا عبارة عن شهادات مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه وحد الزنا في حقها إذا تلاعنا سقط حد القذف عنه وحد الزنا عنها ، كذا فسر العلماء الحنفية ، والأصل فيه قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .

                                                                                                          قال الإمام البخاري في صحيحه : طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ويشهد شاهدين ، قال الحافظ في الفتح : روى الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى [ ص: 286 ] فطلقوهن لعدتهن قال : في الطهر من غير جماع ، وأخرجه عن جمع من الصحابة ومن بعدهم كذلك .

                                                                                                          قوله : ( وهي حائض ) قيل هذه جملة من المبتدأ والخبر فالمطابقة بينهما شرط ، وأجيب بأن الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة إليها ، كذا في عمدة القاري . ( فقال ) أي : ابن عمر رضي الله عنه ( هل تعرف عبد الله بن عمر ) إنما قال له ذلك مع أنه يعرفه ، وهو الذي يخاطبه ليقرره على اتباع السنة وعلى القبول من ناقلها ، وأنه يلزم العامة الاقتداء بمشاهير العلماء فقرره على ما يلزمه من ذلك ، لا أنه ظن أنه لا يعرفه ، قاله الحافظ ، وغيره ، ( فإنه ) أي : عبد الله بن عمر رضي الله عنه ( طلق امرأته ) اسمها آمنة بنت غفار ، قاله النووي في تهذيبه ، وقيل بنت عمار بفتح العين المهملة وتشديد الميم ووقع في مسند أحمد أن اسمها نوار بفتح النون ، قال الحافظ : ويمكن الجمع بأن يكون اسمها آمنة ، ولقبها النوار . انتهى . ( فأمره أن يراجعها ) وفي رواية أوردها صاحب المشكاة عن الصحيحين : فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القاري : فيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب بغير حرام . ( قال قلت ) أي : قال يونس بن جبير قلت لابن عمر رضي الله عنه ( فيعتد ) بصيغة المجهول أي : يحتسب ( قال ) أي : ابن عمر رضي الله عنه ( فمه ) أصله فما ، وهو استفهام فيه اكتفاء ، أي : فما يكون إن لم تحتسب ، ويحتمل أن تكون الهاء أصلية ، وهي كلمة تقال للزجر أي : كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك ، قال ابن عبد البر : قول ابن عمر : فمه . معناه فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها ؟ إنكارا لقول السائل أيعتد بها ؟ فكأنه قال وهل من ذلك بد ( أرأيت إن عجز واستحمق ) القائل لهذا الكلام هو ابن عمر رضي الله عنه صاحب القصة ، ويريد به نفسه ، وإن أعاد الضمير بلفظ الغيبة ، وقد جاء في رواية لمسلم عن ابن عمر : ما لي لا أعتد بها ؟ وإن كنت عجزت واستحمقت ، وقوله أرأيت أي : أخبرني ، قال الحافظ ابن حجر : قوله أرأيت إن عجز واستحمق أي : إن عجز عن فرض لم يقمه أو استحمق فلم يأت به يكون ذلك عذرا له ؟ وقال الخطابي : في الكلام حذف أي : أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه [ ص: 287 ] ، أو يبطله عجزه ؟ وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه .




                                                                                                          الخدمات العلمية