الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الفصل الثاني ]

[ عدد سجدات التلاوة ]

وأما عدد عزائم سجود القرآن : فإن مالكا قال في الموطإ : الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ، ليس في المفصل منها شيء . وقال أصحابه :

أولها : خاتمة الأعراف .

وثانيها : في الرعد عند قوله تعالى : ( بالغدو والآصال ) .

وثالثها : في النحل عند قوله تعالى : ( ويفعلون ما يؤمرون ) .

ورابعها : في بني إسرائيل عند قوله تعالى : ( ويزيدهم خشوعا ) .

وخامسها : في مريم عند قوله تعالى : ( خروا سجدا وبكيا ) .

وسادسها : الأولى من الحج عند قوله تعالى : ( إن الله يفعل ما يشاء ) .

وسابعها : في الفرقان عند قوله تعالى : ( وزادهم نفورا ) .

وثامنها : في النمل عند قوله تعالى : ( رب العرش العظيم ) .

وتاسعها : في ( الم تنزيل ) عند قوله تعالى : ( وهم لا يستكبرون ) .

وعاشرها : في ( ص ) عند قوله تعالى : ( وخر راكعا وأناب ) .

والحادية عشرة : في ( حم تنزيل ) عند قوله تعالى : ( إن كنتم إياه تعبدون ) وقيل : عند قوله : ( وهم لا يسأمون ) .

[ ص: 187 ] وقال الشافعي : أربع عشرة سجدة : ثلاث منها في المفصل : في الانشقاق ، وفي النجم ، وفي ( اقرأ باسم ربك ) . ولم ير في ( ص ) سجدة لأنها عنده من باب الشكر .

وقال أحمد : هي خمسة عشرة سجدة ، أثبت فيها الثانية من الحج ، وسجدة ( ص ) .

وقال أبو حنيفة : هي اثنتا عشرة سجدة ، قال الطحاوي : وهي كل سجدة جاءت بلفظ الخبر .

والسبب في اختلافهم : اختلافهم في المذاهب التي اعتمدوها في تصحيح عددها ، وذلك أن منهم من اعتمد عمل أهل المدينة ، ومنهم من اعتمد القياس ، ومنهم من اعتمد السماع .

أما الذين اعتمدوا العمل فمالك وأصحابه .

وأما الذين اعتمدوا القياس فأبو حنيفة وأصحابه ، وذلك أنهم قالوا : وجدنا السجدات التي أجمع عليها جاءت بصيغة الخبر ، وهي : سجدة الأعراف والنحل والرعد والإسراء ومريم وأول الحج والفرقان والنمل والم تنزيل ، فوجب أن تلحق بها سائر السجدات التي جاءت بصيغة الخبر ، وهي التي في ( ص ) وفي ( الانشقاق ) ، ويسقط ثلاثة جاءت بلفظ الأمر وهي : التي في ( والنجم ) وفي الثانية من الحج وفي ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .

وأما الذين اعتمدوا السماع فإنهم صاروا إلى ما ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - من سجوده في الانشقاق وفي ( اقرأ باسم ربك ) وفي ( والنجم ) خرج ذلك مسلم ، وقال الأثرم : سئل أحمد كم في الحج من سجدة ؟ قال سجدتان . وصحح حديث عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " في الحج سجدتان " . وهو قول عمر وعلي . قال القاضي : خرجه أبو داود .

وأما الشافعي : فإنه إنما صار إلى إسقاط سجدة ( ص ) لما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قرأ وهو على المنبر آية السجود من سورة ( ص ) فنزل وسجد ، فلما كان يوم آخر قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال : إنما هي توبة نبي ، ولكن رأيتكم تشيرون للسجود فنزلت فسجدت " . وفي هذا ضرب من الحجة لأبي حنيفة في قوله بوجوب السجود ، لأنه علل ترك السجود في هذه السجدة بعلة انتفت في غيرها من السجدات ، فوجب أن يكون حكم التي انتفت عنها العلة بخلاف التي ثبتت لها العلة ، وهو نوع من الاستدلال وفيه اختلاف ، لأنه من باب تجويز دليل الخطاب .

وقد احتج بعض من لم ير السجود في المفصل بحديث عكرمة عن ابن عباس خرجه أبو داود : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ هاجر إلى المدينة " . قال أبو عمر : وهو منكر لأن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم يصحبه - عليه الصلاة والسلام - إلا بالمدينة . وقد روى الثقات عنه : " أنه سجد - عليه الصلاة والسلام - في ( والنجم ) " .

التالي السابق


الخدمات العلمية