الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في الآثار الواردة في حسن الخلق .

وقد ورد في مدح حسن الخلق وذم سوء الخلق عدة أحاديث سنذكر منها طرفا صالحا . وكان نهاية هذا العالم في حسن الخلق نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم . ولذا قال الله تعالى في حقه { وإنك لعلى خلق عظيم } فما بالك بما يستعظمه الحق جل شأنه . [ ص: 362 ] وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، أنها { سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن } أي كان متمسكا بآدابه وأوامره ونواهيه وما يشتمل عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الأمور صلى الله عليه وسلم . وأخرج مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ، فقال البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس } .

وفي الصحيحين والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال { لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ، وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا } .

وأخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذي } قال الترمذي حديث حسن صحيح وزاد في رواية له { وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة } .

وأخرج الترمذي وصححه البيهقي في الزهد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ، فقال تقوى الله وحسن الخلق . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج } .

وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وألطفهم بأهله } .

وعنها رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم } رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولفظه { إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار } وفي هذا المعنى عدة أحاديث . [ ص: 363 ] وفي رواية عند الطبراني من حديث أنس مرفوعا { أن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة . وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم } .

وقال صلى الله عليه وسلم { لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق } رواه ابن حبان من حديث أبي ذر

. وروى محمد بن نصر المروذي في كتاب الصلاة مرسلا عن العلي بن الشخير { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقال يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال حسن الخلق ، ثم أتاه عن يمينه فقال أي العمل أفضل ؟ قال حسن الخلق ، ثم أتاه عن شماله فقال يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال حسن الخلق ، ثم أتاه من بعده يعني من خلفه فقال يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك لا تفقه ؟ حسن الخلق ، وهو أن لا تغضب إن استطعت } .

وروى أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه عن أبي أمامة رضي الله عنه { أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه } .

والترمذي وحسنه عن جابر مرفوعا { من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا } الحديث .

وروى الطبراني في الكبير والأوسط عن عمار رضي الله عنه مرفوعا { حسن الخلق خلق الله الأعظم } حديث ضعيف .

والطبراني في الأوسط عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى قال { إن هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلح له إلا للسخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه } .

وروى في الأوسط أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { أوحى الله إلى إبراهيم يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مدخل الأبرار . وإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأن أسقيه من حظيرة قدسي وأن أدنيه من جواري } .

وروي عنه أيضا مرفوعا { ما حسن الله خلق رجل وخلقه فيطعمه النار أبدا } ضعفه المنذري وغيره .

[ ص: 364 ] وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني والبزار وأبو يعلى بإسناد جيد رواته ثقات واللفظ له عن أنس رضي الله عنه قال { لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال عليك بحسن الخلق وطول الصمت ، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما } وفي لفظ عند أبي الشيخ بن حيان { يا أبا ذر ألا أدلك على أفضل العبادة وأخفها على البدن وأثقلها في الميزان وأهونها على اللسان ؟ فقلت بلى فداك أبي وأمي ، قال عليك بطول الصمت وحسن الخلق فإنك لست بعامل بمثلهما } رواه بنحوه من حديث أبي الدرداء

وأخرج الإمام أحمد بسند جيد رواته ثقات عن جابر مرفوعا { إن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا } .

والطبراني بسند صحيح عن أسامة بن شريك مرفوعا قالوا { من أحب عباد الله إلى الله ؟ قال أحسنهم خلقا } .

والبزار وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعا { ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال أطولكم أعمارا ، وأحسنكم أخلاقا } وفيه ابن إسحاق لم يصرح بالسماع .

والترمذي وقال حسن صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن } .

وأخرج الإمام أحمد بسند رواته ثقات عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي } وفي رواية عن ابن مسعود مرفوعا { اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي } .

وصحح ابن حبان خبر ابن مسعود ورواه البيهقي في كتاب الدعوات وقال فيه { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر إلى وجهه في المرآة } فذكره . ورواه أبو بكر بن مردويه من حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما مرفوعا وفي آخره { وحرم وجهي على النار } .

[ ص: 365 ] وروى الطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { أن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون . وإن أبغضكم إلي المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الملتمسون للبرآء العيب } . .

التالي السابق


الخدمات العلمية