الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 139 ] الباب الخامس باب: ذكر ما اختلف فيه هل هو شرط في النسخ أم لا ؟

"اتفق العلماء على جواز نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة ، فأما نسخ القرآن بالسنة ، فالسنة تنقسم قسمين: أحدهما: ما ثبت بنقل متواتر ، كنقل القرآن ، فهل يجوز أن ينسخ القرآن هذا ، حكى فيه شيخنا علي بن عبيد الله روايتين عن أحمد ، قال: والمشهور لا يجوز ، وهو مذهب الثوري والشافعي ، والرواية الثانية [ ص: 140 ] يجوز ، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، قال: ووجه الأولى: قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ، والسنة ليست مثلا للقرآن ، وروى الدارقطني من حديث جابر بن [ ص: 141 ] عبد الله ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلامي لا ينسخ القرآن ، والقرآن ينسخ بعضه بعضا " .

ومن جهة المعنى ، فإن السنة تنقص عن درجة القرآن فلا تقدم عليه ، ووجه الرواية الثانية ، قوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، والنسخ في الحقيقة بيان مدة المنسوخ ، فاقتضت هذه الآية قبول هذا البيان ، قال: وقد نسخت: الوصية للوالدين والأقربين ، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث " ونسخ قوله تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه [ ص: 142 ] بأمره عليه السلام ، أن يقتل ابن خطل ، وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومن جهة المعنى ، أن السنة مفسرة للقرآن وكاشفة لما يغمض من معناه ، فجاز أن ينسخ بها ، والقول الأول هو الصحيح ، لأن هذه الأشياء تجري مجرى البيان للقرآن ، لا النسخ ، وقد روى أبو داود السجستاني ، قال: سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، يقول: السنة تفسر القرآن ، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن ، وكذلك قال الشافعي : إنما ينسخ الكتاب الكتاب ، والسنة ليست ناسخة له .

[ ص: 143 ] والقسم الثاني: الأخبار المنقولة بنقل الآحاد فهذه لا يجوز بها نسخ القرآن ، لأنها لا توجب العلم ، بل تفيد الظن ، والقرآن يوجب العلم ، فلا يجوز ترك المقطوع به لأجل مظنون ، وقد احتج من رأى جواز نسخ التواتر بخبر الواحد بقصة أهل قباء لما استداروا بقول واحد ، فأجيب بأن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالقرآن ، فجاز أن تنسخ بخبر الواحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية