الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( والحي )

                                                                                                                            ش : قال البساطي في المغني ولو تولد من العذرة ، وقيل : إلا الكلب والخنزير ، وقيل : والمشرك نقله ابن جزي في قوانينه وكل ما في باطن الحيوان مما يحكم عليه بالنجاسة إذا انفصل عنه فلا يحكم عليه بما في بطنه وتصح صلاة حامل ذلك الحيوان قاله غير واحد والله أعلم . وانظر كلام الفاكهاني في شرح قول الرسالة وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين .

                                                                                                                            ص ( ودمعه وعرقه )

                                                                                                                            ش : هذا هو المعروف من المذهب قال في المدونة وعرق الدواب وما يخرج من أنوفها طاهر وقبله سند ولم يذكر فيه خلافا بل قال هو كعرق الآدمي وقبله أيضا غيره من شراح المدونة ، وكذلك ابن عرفة ولم يحك في ذلك خلافا وقال ابن رشد في رسم الوضوء من سماع أشهب : عرق سائر الحيوان ولبنها تابع للحومها وإنما قال في المدونة لا بأس بعرق البرذون والبغل والحمار ; لأن الناس لا يقدرون على التوقي منه انتهى . ولم يذكر في نجاسته خلافا فما قاله غير معروف والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ص ( ولعابه ومخاطه وبيضه )

                                                                                                                            ش : اللعاب بضم اللام ما سال من الفم . وانظر هل يدخل في كلامه الماء الذي يسيل من فم النائم ؟ وقال المشذالي في حاشيته على المدونة عن النووي إن تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر فإن قلنا : بنجاسته وكان ملازما لشخص فهو كدم البرغوث قال المشذالي ويتخرج فيه قولان من مسائل المذهب التي تشبه انتهى وقال ابن ناجي في شرح المدونة الجاري على مذهبنا إذا تغير أن يكون مضافا لا نجسا .

                                                                                                                            ( قلت : ) لا وجه لهذا بل الظاهر أن يقال : إن كان من الفم فهو طاهر ، وإن كان من المعدة فكما قال النووي إن تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر وقال الدميري في شرح المنهاج [ ص: 92 ] ويعرف أنه من المعدة بنتنه وصفرته وقيل : إن كان الرأس على مخدة فمنه وإلا فمن المعدة وعلى كل حال فإنه إذا لازم شخصا عفي عنه والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ولو أكل نجسا )

                                                                                                                            ش : جعله الشارح راجعا للبيض وأشار بلو للخلاف فيه وانظر لم أشار للخلاف فيه دون العرق مع أن ابن الحاجب وغيره حكوا الخلاف فيهما جميعا ؟ ولعل الخلاف الذي في البيض أقوى ، ولم يذكر اللبن ; لأن اللبن ليس طاهرا على الإطلاق كالبيض بل لبن غير الآدمي تابع للحمه كما سيأتي ، إلا أنه كان ينبغي له أن ينبه على الخلاف في لبن الجلالة كما نبه على الخلاف في بيضها والمشهور أن لبن الجلالة مباح ، وكذلك النحل إذا أكلت نجاسة فعسلها طاهر عند مالك قاله في رسم إن خرجت من سماع عيسى وهو ظاهر قوله في المدونة في العسل النجس : " لا بأس أن يعلف النحل " ويحتمل أن يرجع لجميع ما تقدم من قوله والحي إلى آخره إذ قال ابن رشد في سماع عيسى من كتاب الضحايا لا اختلاف في المذهب أن أكل لحوم الماشية والطير الذي يتغذى بالنجاسة حلال جائز وإنما اختلفوا في الأعراق والألبان والأبوال انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن القاسم في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الصيد والذبائح في الطير تصاد بالخمر تشربه فتسكر لا بأس بأكلها وقبله ابن رشد وقال ابن القاسم في الرسم المتقدم في كتاب الضحايا في جدي رضع خنزيرة : أحب إلي أن لا يذبح حتى يذهب ما في جوفه من غذائه ولو ذبح مكانه فأكل لم أر به بأسا ; لأن الطير تأكل الجيف وتذبح مكانها وأكلها حلال ، ونحوه لابن نافع لكن حكى اللخمي الخلاف في ذلك ونصه : واختلف في الحيوان يصيب النجاسة هل تنقله عن حكمه قبل أن يصيب تلك النجاسة ؟ فقيل : هو على حكمه في الأصل في أسآرها وأعراقها وألبانها وأبوالها ، وقيل : ينقلها وجميع ذلك نجس ثم ذكر الخلاف في عرق السكران ثم قال وعلى القول بأنه نجس لا يحل أكل شيء من ذلك حتى تذهب منفعة ما تغذى به من النجاسة ، وخرج على نجاسة لبن الميتة نجاسة لبن الشاة تشرب ماء نجسا ، وبحث معه ابن عرفة في هذا التخريج فكلام اللخمي يقتضي وجود الخلاف في نجاسة الحي إذا أكل النجاسة .

                                                                                                                            فإن قيل : إنما ذكر اللخمي الخلاف في اللحوم وإذا جعلتم قوله ولو أكل نجسا راجعا إلى الحي وما عطف عليه اقتضى وجود الخلاف في الحي نفسه فالجواب الذي يظهر من هذا القول الذي يقول بنجاسة اللحم إن الحي نفسه نجس وسيأتي أن الشارب للخمر لا تصح صلاته على ما رواه ابن المواز مدة ما يرى بقاؤه في بطنه ، وأما العرق والبيض وكذا اللبن فالخلاف فيها معروف بالطهارة والنجاسة والكراهة حتى من الآدمي والشارب الخمر ، قال في التوضيح والذي اختاره المحققون الطهارة ، قال والخلاف في عرق السكران في حال سكره ، أو قريبا من صحوه ، وأما لو طال عهده فلا خلاف في طهارته واعترضه ابن فرحون بأنه إذا عرق وتخلل العرق الأول النجس إلا أن يكون قد اغتسل وغسل الثوب الذي عرق فيه .

                                                                                                                            ( قلت : ) وهذا لا يرد على المصنف ; لأنه إنما تكلم على العرق من حيث هو ، ونجاسته في الصورة المذكورة لأمر عارض ، وأما اللعاب والمخاط والدمع فلم أر من حكى فيها خلافا صريحا بل قال البساطي : وأما العرق من الحي فنقل فيه الاتفاق أعني أنه لا يراعى فيه سكران من غيره غير أن ابن رشد قال : وأما الحيوانات فما دامت مستصحبة للحياة فهي طاهرة ويعني بذلك أعراقها وأسآرها وما يخرج من أنوفها إذا لم تستعمل نجاسة فيفهم من كلامه أنها إذا استعملت النجاسة نجس ما يخرج من أنوفها فأحرى لعابها ، ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون أنه قال في شرح قول ابن الحاجب " واللعاب والمخاط من الحي طاهر " : كان ينبغي له أن يقول : ما لم يكن الحيوان مما يستعمل النجاسة انتهى . فهذا مقتضى الخلاف في ذلك من الحيوان المستعمل [ ص: 93 ] للنجاسة ، وقد يقال : إن الدمع أيضا قريب من ذلك إلا أن كلام البساطي يعارض ذلك .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) قال الشارح : ظاهر كلامه سواء كان البيض من الطير ، أو من غيره وليس كذلك ; لأن بيض الحشرات ملحق بلحمها وإليه أشار ابن بشير .

                                                                                                                            ( قلت : ) بل الظاهر أن كلام المصنف على إطلاقه ; لأن الحشرات إذا أمن سمها مباحة فتأمله ، وما ذكر عن ابن بشير قبله ابن عرفة ونصه وبيض الطير طاهر وسباعه والحشرات كلحمها والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ( والثاني ) قال البساطي هنا بحث وهو أنه شهر هنا أن عرق السكران وبيض الجلالة طاهر وفيما يأتي أن رماد النجس ودخانه نجس والقولان في هذه الأشياء مبنيان على أن النجاسة إذا تغيرت أعراضها هل تطهر ، أو لا ؟ فانظر من فصل .

                                                                                                                            ( قلت : ) أما المصنف فلا اعتراض عليه ; لأنه تابع للتوضيح وقد ذكر في توضيحه في اللبن والبيض والعرق أن الذي اختاره المحققون كعبد الحق والمازري وابن يونس الطهارة وذكر في رماد الميتة عن المازري أن الجمهور على أنه لا يطهر ، أما وجه التفصيل فظاهر أيضا ; لأن الانقلاب في اللبن والبيض والعرق أشد منه في رماد الميتة فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( إلا المذر ) : بفتح الميم وكسر الذال المعجمة أي الفاسد وهو ما عفن ، أو صار دما ، أو مضغة ، أو فرخا ميتا قال النووي ويطلق أيضا على ما اختلط فيه الصفار بالبياض انتهى . والظاهر أن هذا الأخير طاهر إذا لم يحصل فيه عفن انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال في الذخيرة في كتاب الأطعمة يوجد في وسط بياض البيض أحيانا نقطة دم فمقتضى مراعاة السفح في نجاسة الدم لا تكون نجسة وقد وقع البحث فيها مع جماعة ولم يظهر غيره انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن فرحون في مسائل ابن قداح يؤمر بغسل البيض قبل كسره فإن لم يغسل فلا شيء عليه انتهى . وقال في مختصر فتاوى ابن رشد لابن عبد الرفيع التونسي أفتى القاضي أبو الوليد في الذي يجعل البيض في الطعام لا يغسله عند شيه وهي مملوءة بأذى الدجاج أن غسل البيض حسن فإن لم يفعل فقد أساء ولا يفسد ذلك الطعام انتهى . وكأنه - والله أعلم - لاحتمال كون الطير جلالة وأصابه شيء من بولها أو استقذارا له والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( والخارج بعد الموت )

                                                                                                                            ش : ينبغي أن يعود إلى جميع ما تقدم من الفضلات فقد قال ابن عبد السلام : قول ابن الحاجب : " والدمع والعرق واللعاب والمخاط من الحي طاهر " يعني أنها من الميتة نجسة ، ومن المذكى طاهرة ، ومن الآدمي الميت على الخلاف في طهارته ونحوه قول ابن عرفة والدمع والعرق والمخاط والبصاق كمحله وقال البساطي عندي أن كلام المصنف خاص بالبيض قال وحمله بعض الشارحين على أنه عام في العرق واللعاب والمخاط والدمع والبيض وهو يزيل الإشكال انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) وقد علمت أنه لا إشكال في ذلك ولعل قوله يزيل الإشكال من الإزالة إلا أن سياق كلامه لا يقتضي ذلك والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) أطلق في البيض الخارج بعد الموت سواء كان رطبا ، أو يابسا وهو كذلك ، أما الرطب فباتفاق ، وأما اليابس فهو قول مالك خلافا لابن نافع حكى القولين ابن رشد في الضحايا من البيان وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم واقتصر ابن فرحون على قول ابن نافع ، وكذلك ابن راشد في اللباب فأوهم كلامهما أنه المذهب وليس كذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية