الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6978 حدثنا مسدد سمع يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني منصور وسليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قرأ وما قدروا الله حق قدره قال يحيى بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع : قوله ( سفيان ) هو الثوري و " منصور " هو ابن المعتمر ، " وسليمان " هو الأعمش و " إبراهيم " هو النخعي و " عبيدة " بفتح أوله هو ابن عمرو وقد تابع سفيان الثوري عن منصور على قوله عبيدة بن عبد الرحمن عن منصور كما مضى في تفسير سورة الزمر ، وفضيل بن عياض المذكور بعده ، وجرير بن عبد الحميد عند مسلم ، وخالفه عن الأعمش في قوله " عبيدة حفص بن غياث المذكور في الباب ، وجرير وأبو معاوية وعيسى بن يونس عند مسلم ومحمد بن فضيل عند الإسماعيلي ، فقالوا كلهم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بدل عبيدة ، وتصرف الشيخين يقتضي أنه عند الأعمش على الوجهين ، وأما ابن خزيمة فقال هو في رواية الأعمش عن إبراهيم عن علقمة ، وفي رواية منصور عن إبراهيم عن عبيدة وهما صحيحان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قال يحيى ) هو ابن سعيد القطان راويه عن الثوري .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وزاد فيه فضيل بن عياض ) هو موصول ، ووهم من زعم أنه معلق ، وقد وصله مسلم عن أحمد بن يونس عن فضيل .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أن يهوديا جاء ) في رواية علقمة " جاء رجل من أهل الكتاب " وفي رواية فضيل بن عياض عند مسلم " جاء حبر " بمهملة وموحدة ، زاد شيبان في روايته " من الأحبار " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 409 ] قوله : فقال يا محمد ) في رواية علقمة " يا أبا القاسم " وجمع بينهما في رواية فضيل .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن الله يمسك السماوات ) في رواية شيبان " يجعل " بدل يمسك وزاد فضيل " يوم القيامة " وفي رواية أبي معاوية عند الإسماعيلي أبلغك يا أبا القاسم أن الله يحمل الخلائق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : والشجر على إصبع ) زاد في رواية علقمة " والثرى " وفي رواية شيبان " الماء والثرى ، وفي رواية فضيل بن عياض الجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : والخلائق ) أي من لم يتقدم له ذكر ، ووقع في رواية فضيل وشيبان " وسائر الخلق " وزاد ابن خزيمة عن محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش فذكر الحديث ، قال محمد : عدها علينا يحيى بإصبعه وكذا أخرجه أحمد بن حنبل في " كتاب السنة " عن يحيى بن سعيد وقال : وجعل يحيى يشير بإصبعه يضع إصبعا على إصبع حتى أتى على آخرها ، ورواه أبو بكر الخلال في " كتاب السنة " عن أبي بكر المروزي عن أحمد ، وقال : رأيت أبا عبد الله يشير بإصبع إصبع ، ووقع في حديث ابن عباس عند الترمذي مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا يهودي حدثنا فقال كيف تقول : يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه وأشار " أبو جعفر " يعني أحد رواته بخنصر أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام ، قال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح ووقع في مرسل مسروق عند الهروي مرفوعا نحو هذه الزيادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ثم يقول أنا الملك ) كررها علقمة في روايته وزاد فضيل في روايته " قبلها ثم يهزهن " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية علقمة " فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك " ومثله في رواية جرير ولفظه " ولقد رأيت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : حتى بدت نواجذه ) جمع ناجذ بنون وجيم مكسورة ثم ذال معجمة وهو ما يظهر عند الضحك من الأسنان وقيل هي الأنياب ، وقيل الأضراس وقيل الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق ، زاد شيبان بن عبد الرحمن " تصديقا لقول الحبر " وفي رواية فضيل المذكورة هنا " تعجبا وتصديقا له " وعند مسلم " تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ، وفي رواية جرير عنده " وتصديقا له " بزيادة واو ، وأخرجه ابن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور " حتى بدت نواجذه تصديقا لقوله " وقال ابن بطال لا يحمل ذكر الإصبع على الجارحة بل يحمل على أنه صفة من صفات الذات لا تكيف ولا تحدد " وهذا ينسب للأشعري ، وعن ابن فورك يجوز أن يكون الإصبع خلقا يخلقه الله فيحمله الله ما يحمل الإصبع ، ويحتمل أن يراد به القدرة والسلطان ، كقول القائل ما فلان إلا بين إصبعي إذا أراد الإخبار عن قدرته عليه ، وأيد ابن التين الأول بأنه قال على إصبع ولم يقل على إصبعيه ، قال ابن بطال : وحاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات وأخبر عن قدرة الله على جميعها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقا له وتعجبا من كونه يستعظم ذلك في قدرة الله تعالى ، وأن ذلك ليس في جنب ما يقدر عليه بعظيم ، ولذلك قرأ قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره الآية أي ليس قدره في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي إليه الوهم ، ويحيط به الحصر ؛ لأنه تعالى يقدر على إمساك مخلوقاته على غير شيء كما هي اليوم ، قال تعالى إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا وقال رفع السماوات بغير عمد ترونها وقال الخطابي لم يقع ذكر الإصبع في القرآن ولا في حديث مقطوع به ، وقد تقرر أن اليد ليست بجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت [ ص: 410 ] الأصابع بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه ، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهودي ، فإن اليهود مشبهة وفيما يدعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه ولا تدخل في مذاهب المسلمين ، وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم من قول الحبر فيحتمل الرضا والإنكار ، وأما قول الراوي " تصديقا " له فظن منه وحسبان ، وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة ، وعلى تقدير صحتها فقد يستدل بحمرة الوجه على الخجل ، وبصفرته على الوجل ، ويكون الأمر بخلاف ذلك ، فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن كثوران الدم ، والصفرة لثوران خلط من مرار وغيره ، وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظا فهو محمول على تأويل قوله تعالى والسماوات مطويات بيمينه أي قدرته على طيها ، وسهولة الأمر عليه في جمعها بمنزلة من جمع شيئا في كفه واستقل بحمله من غير أن يجمع كفه عليه بل يقله ببعض أصابعه ، وقد جرى في أمثالهم فلان يقل - كذا - بإصبعه ويعمله بخنصره انتهى . ملخصا ، وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع لوروده في عدة أحاديث كالحديث الذي أخرجه مسلم إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ولا يرد عليه ؛ لأنه إنما نفى القطع ، قال القرطبي في المفهم قوله " إن الله يمسك " إلى آخر الحديث ، هذا كله قول اليهودي وهم يعتقدون التجسيم وأن الله شخص ذو جوارح كما يعتقده غلاة المشبهة من هذه الأمة ، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للتعجب من جهل اليهودي ، ولهذا قرأ عند ذلك وما قدروا الله حق قدره أي ما عرفوه حق معرفته ولا عظموه حق تعظيمه فهذه الرواية هي الصحيحة المحققة ، وأما من زاد " وتصديقا له " فليست بشيء فإنها من قول الراوي وهي باطلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدق المحال وهذه الأوصاف في حق الله محال ؛ إذ لو كان ذا يد وأصابع وجوارح كان كواحد منا فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا ، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلها إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحت للدجال وهو محال ، فالمفضي إليه كذب فقول اليهودي كذب ومحال ، ولذلك أنزل الله في الرد عليه وما قدروا الله حق قدره وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من جهله فظن الراوي أن ذلك التعجب تصديق وليس كذلك ، فإن قيل قد صح حديث إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن فالجواب أنه إذا جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأولناه أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه مع القطع باستحالة ظاهره لضرورة صدق من دلت المعجزة على صدقه ، وأما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب والتحريف كذبناه وقبحناه ، ثم لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتصديقه لم يكن ذلك تصديقا له في المعنى بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه ، ونقطع بأن ظاهره غير مراد انتهى . ملخصا . وهذا الذي نحا إليه أخيرا أولى مما ابتدأ به لما فيه من الطعن على ثقات الرواة ورد الأخبار الثابتة ، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظن للزم منه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل وسكوته عن الإنكار وحاشا لله من ذلك ، وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار ، فقال بعد أن أورد هذا الحديث في " كتاب التوحيد " من صحيحه بطريقه قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكا ، بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته ، وقد وقع الحديث الماضي في الرقاق عن أبي سعيد - رفعه تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته الحديث ، وفيه أن يهوديا دخل فأخبر بمثل ذلك فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ثم ضحك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية