الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6036 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى وأبي بردة أحسبه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي وعمدي وكل ذلك عندي

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله في الطريق الثالثة : ( إسرائيل حدثنا إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى وأبي بردة وأحسبه عن أبي موسى الأشعري ) لم أجد طريق إسرائيل هذه في " مستخرج الإسماعيلي " وضاقت على أبي نعيم فأوردها من طريق البخاري ولم يستخرجها من وجه آخر وأفاد الإسماعيلي أن شريكا وأشعث وقيس بن الربيع رووه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه وقد وقعت لي طريق إسرائيل من وجه آخر أخرجها أبو محمد بن صاعد في فوائده عن محمد بن عمرو الهروي عن عبيد الله بن عبد المجيد الذي أخرجه البخاري من طريقه بسنده وقال في روايته " عن أبي بكر وأبي بردة وأبي موسى عن أبيهما " ولم يشك وقال غريب من حديث أبي بكر بن أبي موسى . قلت وإسرائيل هو يونس بن أبي إسحاق وهو من أثبت الناس في حديث جده .

                                                                                                                                                                                                        تنبيه ) حكى الكرماني في بعض نسخ البخاري : وقال عبد الله بن معاذ بالتكبير وهو خطأ محض وكذا حكى أن في بعض النسخ من طريق إسرائيل عبد الله بن عبد الحميد بتأخير الميم وهو خطأ أيضا وهذا هو أبو علي الحنفي مشهور من رجال الصحيحين .

                                                                                                                                                                                                        قوله أنه كان يدعو بهذا الدعاء لم أر في شيء من طرقه محل الدعاء بذلك وقد وقع معظم آخره في حديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله في صلاة الليل وقد تقدم بيانه قبل ووقع أيضا في حديث علي عند مسلم أنه كان يقوله في آخر الصلاة واختلفت الرواية هل كان يقوله قبل السلام أو بعده ففي رواية لمسلم " ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والسلام : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أسرفت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت وفي رواية له " وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ما قدمت إلخ " ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام لأن مخرج الطريقين واحد وأورده ابن حبان في صحيحه بلفظ " كان إذا فرغ من الصلاة وسلم " وهذا ظاهر في أنه بعد السلام ويحتمل أنه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده وقد وقع في حديث ابن عباس نحو ذلك كما بينته عند شرحه

                                                                                                                                                                                                        قوله رب اغفر لي خطيئتي الخطيئة الذنب يقال خطئ يخطئ ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطية بالتشديد

                                                                                                                                                                                                        قوله وجهلي الجهل ضد العلم

                                                                                                                                                                                                        قوله وإسرافي في أمري كله الإسراف مجاوزة الحد في كل شيء قال الكرماني يحتمل أن يتعلق بالإسراف فقط ويحتمل أن يتعلق بجميع ما ذكر

                                                                                                                                                                                                        قوله اغفر لي خطاياي وعمدي وقع في رواية الكشميهني في طريق إسرائيل " خطئي " وكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بالسند الذي في الصحيح وهو المناسب لذكر العمد ولكن جمهور الرواة على الأول والخطايا جمع خطيئة وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام فإن الخطيئة أعم من أن تكون عن خطأ وعن عمد أو هو من عطف أحد العامين على الآخر

                                                                                                                                                                                                        قوله وجهلي وجدي وقع في مسلم " اغفر لي هزلي وجدي " وهو أنسب والجد بكسر الجيم ضد الهزل

                                                                                                                                                                                                        قوله وكل ذلك عندي أي موجود أو ممكن

                                                                                                                                                                                                        قوله اللهم اغفر لي ما قدمت إلخ تقدم سر المراد به وبيان تأويله .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 202 ] قوله أنت المقدم وأنت المؤخر في رواية مسلم " اللهم أنت المقدم إلخ "

                                                                                                                                                                                                        قوله وأنت على كل شيء قدير في حديث علي الذي أشرت إليه قبل " لا إله إلا أنت " بدل قوله " وأنت على كل شيء قدير " قال الطبري بعد أن استشكل صدور هذا الدعاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قوله - تعالى - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ما حاصله أنه - صلى الله عليه وسلم - امتثل ما أمره الله به من تسبيحه وسؤاله المغفرة إذا جاء نصر الله والفتح قال وزعم قوم أن استغفاره عما يقع بطريق السهو والغفلة أو بطريق الاجتهاد مما لا يصادف ما في نفس الأمر وتعقب بأنه لو كان كذلك للزم منه أن الأنبياء يؤاخذون بمثل ذلك فيكونون أشد حالا من أممهم وأجيب بالتزامه قال المحاسبي الملائكة والأنبياء أشد لله خوفا ممن دونهم وخوفهم خوف إجلال وإعظام واستغفارهم من التقصير لا من الذنب المحقق وقال عياض : يحتمل أن يكون قوله اغفر لي خطيئتي وقوله اغفر لي ما قدمت وما أخرت على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر لربه لما علم أنه قد غفر له . وقيل هو محمول على ما صدر من غفلة أو سهو وقيل على ما مضى قبل النبوة وقال قوم وقوع الصغيرة جائز منهم فيكون الاستغفار من ذلك وقيل هو مثل ما قال بعضهم في آية الفتح ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي من ذنب أبيك آدم وما تأخر أي من ذنوب أمتك وقال القرطبي في " المفهم " وقوع الخطيئة من الأنبياء جائز لأنهم مكلفون فيخافون وقوع ذلك ويتعوذون منه وقيل قاله على سبيل التواضع والخضوع لحق الربوبية ليقتدى به في ذلك

                                                                                                                                                                                                        ( تكميل ) : نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي أن قول القائل في دعائه " اللهم اغفر لجميع المسلمين " دعاء بالمحال لأن صاحب الكبيرة قد يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران وتعقب بالمنع وأن المنافي للغفران الخلود في النار وأما الإخراج بالشفاعة أو العفو فهو غفران في الجملة وتعقب أيضا بالمعارضة بقول نوح عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات وقول إبراهيم عليه السلام رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك في قوله - تعالى - واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات . والتحقيق أن السؤال بلفظ التعميم لا يستلزم طلب ذلك لكل فرد بطريق التعيين فلعل مراد القرافي منع ما يشعر بذلك لا منع أصل الدعاء بذلك ثم إني لا يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية