الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

[ ص: 503 ] قال النقاش : في مصحف ابن مسعود ، وأبي ، وحفصة : "إذ قال لهم أخوهم شعيب"، وقالوا: ولا وجه لمراعاة النسب، وإنما هو أخوهم من حيث هو رسولهم وآدمي مثلهم.

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر : "ليكة" على وزن فعلة هنا وفي "ص"، وقرأ الباقون: "الأيكة" وهي الدوحة الملتفة من الشجر على الإطلاق، وقيل: من شجر معروف له غضارة يألفه الحمام والقماري ونحوها، وقال قتادة : كان شجرهم هذا دوما. و "ليكة" اسم البلد في قراءة من قرأ ذلك، قاله بعض المفسرين، ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام ، وذهب قوم إلى أنها مسهلة من الأيكة، وأنها وقعت في المصحف هنا وفي سورة "ص" بغير ألف، وقال أبو علي : سقوط ذلك من المصحف لا يرجح النطق بها هكذا; لأن خط المصحف اتبع فيه تسهيل اللفظ، كلما سقطت الألف من اللفظ سقطت من الخط، نحو سقوط الواو من قوله: سندع الزبانية ، لما سقط من اللفظ، وأما ترجيح القراءة في "ليكة" بفتح الياء في موضع الجر فلا يقتضيه ما في المصحف، وهي قراءة ضعيفة، ويدل على ضعفها أن سائر ما في القرآن غير هذين الموضعين مجمع فيه على "الأيكة" بالهمز والألف والخفض.

وكانت مدن القوم سبعة فيما روي، ولم يكن شعيب منهم، فلذلك لم يذكر هنا بأنه أخ لهم، وإنما كان من بني مدين ، ولذلك ذكر بأخوهم، وجاءت الألفاظ في دعاء كل واحد من هؤلاء الأنبياء واحدة بعينها إذ كان الإيمان المدعو إليه معنى واحدا بعينه، وفي قولهم عليهم السلام: " ألا تتقون " عرض رقيق وتلطف، كما قال تبارك وتعالى: فقل هل لك إلى أن تزكى .

وكانت معصيتهم المضافة إلى كفرهم; بخس الموازين وتنقص أموال الناس بذلك. و "القسطاس": المعتدل من الموازين، وهو بناء مبالغة من القسط، وذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن قوله: "وزنوا بالقسطاس" بضم القاف من "القسطاس"، وقرأ [ ص: 504 ] عيسى وأهل الكوفة بكسرها، و "تعثوا" معناه: تفسدون، يقال: "عثا" إذا أفسد.

"والجبلة": القرون والخليقة الماضية، وقال الشاعر:


والموت أعظم حادث فيما يمر على الجبلة



وقرأ جمهور الناس: "والجبلة" بكسر الجيم والباء، وقرأ أبو محيصن والحسن : "والجبلة" بضمها، و "الكسف": القطع، واحدها: كسفة، كتمرة وتمر، و يوم الظلة يوم عذابهم، وصورته -فيما روي- أن الله تعالى امتحنهم بحر شديد، فلما كان ذلك اليوم غشي بعض قطرهم سحابة، فاجتمعوا تحتها، فاضطرمت عليهم تلك السحابة نارا فأحرقتهم عن آخرهم. وللناس في حديث يوم الظلة تطويلات لا تثبت، والحق أنه عذاب جعله الله تبارك وتعالى ظلة، وذكر الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من حدثك ما عذاب يوم الظلة فقد كذب ، وباقي الآية بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية