الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم شرع يتكلم على زكاة المعدن فقال ( وإنما يزكى معدن عين ) ذهب أو فضة لا غيرهما من المعادن كنحاس وحديد ( وحكمه ) أي المعدن من حيث هو لا بقيد ( للإمام ) أو نائبه يقطعه لمن يشاء أن يجعله للمسلمين [ ص: 487 ] إن كان بأرض غير مملوكة كالفيافي أو ما انجلى عنها أهلها ولو مسلمين أو مملوكة لغير معين كأرض العنوة بل ( ولو بأرض معين ) مسلما أو كافرا ويفتقر إقطاعه في الأراضي الأربع إلى حيازة على المشهور فإن مات الإمام قبلها بطلت العطية ( إلا ) أرضا ( مملوكة لمصالح ) معين أو غيره ( فله ) أي فهي للمصالح لا للإمام إلا أن يسلم فيرجع حكمه للإمام ( وضم ) في الزكاة ( بقية عرقه ) [ ص: 488 ] المتصل لما خرج منه أولا وإن تلف ولما كانت الأقسام أربعة بالنظر إلى العرق والعمل وهي اتصالهما وانقطاعهما وانفصال العرق دون العمل وعكسه أشار إلى الأول والثالث بقوله وضم بقية عرقه إن اتصل العمل بل ( وإن تراخى العمل ) أي انقطع اختيارا أو اضطرارا فليس المراد بالتراخي العمل على الهينة وإلى الثاني والرابع بقوله ( لا معادن ) فلا يضم ما خرج من واحد منها لما خرج من آخر ولو في وقت واحد ( ولا ) يضم ( عرق آخر ) للذي كان يعمل فيه أولا في معدن واحد ويعتبر كل عرق بانفراده فإن حصل منه نصاب يزكى ثم يزكى ما يخرج منه بعد ذلك وإن قل وسواء اتصل العمل أو انقطع ( وفي ) وجوب ( ضم فائدة ) أي مال بيده نصابا أو دونه ( حال حولها ) عنده لما أخرجه من معدن دون نصاب وهو المعول عليه فكان عليه الاقتصار عليه وعدم ضمها له لاختلاف نوعهما باشتراط الحول فيها دون تردد وفي قوله ضم إشارة إلى بقاء الفائدة بيده حتى يخرج من المعدن ما يكمل به النصاب إذ لو تلفت قبل الإخراج فلا زكاة قطعا ( و ) في ( تعلق الوجوب ) بزكاة ما يخرج من المعدن ( بإخراجه ) منه ولا يتوقف على التصفية وإنما المتوقف عليها الإعطاء للفقراء ( أو تصفيته ) من ترابه وسبكه ( تردد ) وثمرة الخلاف تظهر لو أنفق شيئا بعد الخروج وقبل التصفية أو تلف بعد إمكان الأداء فعلى الأول يحسب دون الثاني .

التالي السابق


( قوله وإنما يزكي إلخ ) فهم من قوله يزكي اشتراط ما يشترط في الزكاة أي من حرية المالك له وإسلامه لا مرور الحول ، وهذا هو الذي اقتصر عليه ابن الحاجب وقيل لا يشترط فيه حرية ولا إسلام وأن الشركاء فيه كالواحد قال الجزولي وهذا هو المشهور نقله ح ( قوله معدن عين ) أي فإذا خرج منه نصاب زكي وزكاته ربع العشر كالزكاة في غيره ( قوله كنحاس وحديد ) أدخل بالكاف الرصاص والقزدير والكحل والعقيق والياقوت والزمرد والزئبق والزرنيخ والمغرة والكبريت فإن هذه المعادن كلها لا زكاة فيها ( قوله يقطعه لمن يشاء ) أي يعطيه لمن يعمل فيه لنفسه مدة [ ص: 487 ] من الزمان أو مدة حياة المقطع بفتح الطاء وسواء كان في نظير شيء يأخذه الإمام من المقطع أو من غير شيء وإذا أقطعه لمن شاء في مقابلة عين كانت تلك العين لبيت المال فلا يأخذ الإمام منها إلا بقدر حاجته قال الباجي وإذا أقطعه لأحد فإنما يقطعه له انتفاعا لا تمليكا فلا يجوز لمن أقطعه له الإمام أن يبيعه ابن القاسم ولا يورث عمن أقطعه له لأن ما لا يملك لا يورث ا هـ بن وقوله أو يجعله للمسلمين أي فيقيم فيه من يعمل للمسلمين بأجرة ، وإذا جعله للمسلمين فلا زكاة فيه لأنه ليس مملوكا لمعين حتى إنه يزكى وإن أقطعه لشخص وجب عليه زكاته إن خرج منه نصاب على ما مر والمعدن لا يزكى مطلقا بل في بعض الأحوال ( قوله إن كان إلخ ) راجع لقول المصنف وحكمه إلخ ( قوله كالفيافي ) أي فهي غير مملوكة لأحد ولو كانت في بلاد المسلمين ( قوله أو ما انجلى عنها أهلها ) أي بغير قتال بأن ماتوا جميعا بغير قتال ( قوله ولو مسلمين ) أي هذا إذا كان أهلها الذين انجلوا عنها كفارا بل ولو كانوا مسلمين على المعتمد

والحاصل أن الصواب أن الأرض التي انجلى عنها أصحابها المسلمون ما وجد فيها من المعادن فهو للإمام خلافا لقول بعضهم إن المسلمين لا يسقط ملكهم عن أراضيهم بانجلائهم وحينئذ فيكون ما وجد فيها من المعادن لهم ولورثتهم وفي المبالغة تسمح لاقتضائها أن الأرض التي انجلى عنها أهلها المسلمون غير مملوكة فتأمل ( قوله كأرض العنوة ) فيه أن أرض العنوة بمجرد فتحها تكون وقفا فلا يتأتى فيها ملك فما معنى جعل الشارح لها مملوكة وأجيب بأنه أراد بالملك ما يشمل ملك المنفعة ، ومعلوم أن الوقف تملك منافعه وإن لم تملك ذاته فأرض العنوة لا تملك ذاتها ويملك منفعتها كل من مكنه منها الإمام أو نائبه ( قوله ولو بأرض معين ) أي ولو كان المعدن بأرض مملوكة ذاتها لشخص معين كزيد ( قوله ويفتقر إقطاعه في الأراضي الأربع إلى حيازة ) أي ويفتقر إقطاع الإمام للمعدن إذا كان في الأراضي الأربع إلى حيازة .

( قوله على المشهور ) أي بناء على المشهور من أن إقطاعات الإمام تفتقر لحيازة وذكر في المج أن هذا هو المعتمد وأن إمضاء عطية تميم مع أنه لم يحزها في حياته عليه الصلاة والسلام خصوصية له ومقابل المشهور ما لابن هندي من أن عطية الإمام لا تفتقر لحوز فإذا مات الإمام قبل أن تحاز عنه لم تبطل وقوى بن القول بعدم الافتقار حيث قال جعل القول بافتقار هو المشهور فيه نظر فقد قال المتيطي في النهاية في باب ما يقطعه الإمام ما نصه ولا يحتاج الإقطاع لحيازة بخلاف الهبة وقيل لا بد فيه من الحيازة وبالأول العمل ا هـ فظاهره أن عدم افتقاره لحيازة هو المشهور المعمول به قال أبو علي المسناوي وهو ظاهر لأن الإمام ليس بواهب حقيقة إنما هو نائب عن المسلمين وهم أحياء ولذا قالوا لا ينعزل القاضي بموت الأمير ا هـ كلام بن ( قوله إلا مملوكة لمصالح ) .

الحاصل أن مواضع المعدن خمسة أرض غير مملوكة لأحد كالفيافي وما انجلى عنها أهلها وأرض مملوكة لغير معين كأرض العنوة وأرض مملوكة لمعين وأرض الصلح فالثلاثة الأول داخلة قبل لو والرابعة محل الخلاف والخامسة المستثناة . ورد المصنف بلو في قوله ولو بأرض معين على من قال إن المعدن الذي يوجد فيها يكون لمالكها مطلقا وعلى من قال إن كان المعدن عينا فللإمام وإن كان غير عين فلمالك الأرض المعين ، والمعتمد أنها للإمام لأن المعادن قد يجدها شرار الناس فلو لم يكن حكمه للإمام لأدى إلى الفتن والهرج وقوله لمصالح بكسر اللام وفتحها ومفهوم مملوكة إلى ما وجد من المعادن في موات أرض الصلح الغير المملوكة فحكمه للإمام ( قوله فله ) أي فما وجد فيها من المعدن فهو له ولا يزكى فقوله إلا مملوكة مخرج من قوله يزكى من قوله وحكمه للإمام أي أنه مخرج من الأمرين معا ( قوله إلا أن يسلم فيرجع حكمه للإمام ) أي على مذهب المدونة وهو الراجح لزوال أحكام الصلح بالإسلام خلافا لسحنون القائل إنها تبقى له ولا ترجع للإمام ( قوله وضم بقية عرقه ) يعني أن العرق الواحد من المعدن ذهبا كان أو فضة أو كان [ ص: 488 ] بعضه ذهبا وبعضه فضة يضم بعضه إلى بعض إذا كان متصلا فإذا أخرج من العرق نصابا زكى ما يخرج بعد ذلك ولو كان الخارج شيئا قليلا ولو تلف الخارج أولا ( قوله المتصل ) أخذه من قول المصنف بقية إذ لا يقال بقية إلا عند اتصاله ( قوله أو اضطرار ) أي لفساد آلة أو مرض العامل ( قوله فليس المراد بالتراخي العمل على الهينة ) أي بأن يعمل كل يوم عملا قليلا لأن هذا من قبيل اتصال العمل ( قوله وإلى الثاني والرابع بقوله إلخ ) في الحقيقة الإشارة لهما إنما هي بقوله ولا يضم عرق آخر للذي كان يعمل فيه أولا في معدن واحد أي سواء انقطع العمل أو اتصل ( قوله فلا يضم ما خرج من واحد منها لما خرج من آخر ) أي بل يعتبر كل معدن على حدته ولو اتحد جنسها فإن خرج منه نصاب زكى وإلا فلا ( قوله ولو في وقت ) أي هذا إذا كان الخروج منها في أيام لانقطاع العمل بل ولو كان في وقت واحد لعدم انقطاعه ( قوله ولا يضم عرق آخر ) ظاهر المصنف عدم ضم أحد العرقين للآخر من معدن واحد ولو وجد الثاني قبل فراغ الأول وفي ح ما يفيد أنه يضم حيث بدا العرق الثاني قبل انقطاع الأول سواء ترك العمل فيه حتى أتم الأول أو انتقل للثاني قبل تمام الأول وهذا هو المعتمد كما قرر شيخنا ثم إن قوله ولا عرق آخر يغني عما قبله لأنه إذا كان لا يضم عرق من معدن لعرق آخر منه فأولى أن لا يضم معدن لمعدن آخر ( قوله وفي وجوب ضم فائدة إلخ ) يعني لو كان عنده مال دون نصاب من فائدة وحال عليه الحول وهو عنده ثم أخرج من المعدن ما يكمل به النصاب ، فهل يجب أن تضم تلك الفائدة لما أخرجه من المعدن ويزكي أو لا في ذلك قولان فالقول بالضم للقاضي عبد الوهاب واللخمي والقول بعدمه لسحنون قياسا على عدم ضم المعدنين وفهم ابن يونس المدونة عليه ولكن المعتمد ما قاله عبد الوهاب من الضم ( قوله نصابا أو دونه ) به صرح في التوضيح وهو المفهوم من كلام غيره لكنه خلاف ما في الذخيرة عن سند من أن عبد الوهاب إنما يقول بالضم إذا كانت الفائدة دون نصاب فإن كانت نصابا وأخرج من المعدن دون نصاب لم يزكه انظر ح ا هـ بن

والحاصل أن محل الخلاف على ما قال سند إذا كانت الفائدة أقل من نصاب وإلا فلا تضم اتفاقا ( قوله أو تصفيته ) أي أو لا يتعلق الوجوب به إلا عند تصفيته من ترابه وسبكه لا بمجرد إخراجه من المعدن والقول الأول للباجي واستظهره بعضهم كما قال شيخنا .

( قوله وثمرة الخلاف تظهر إلخ ) من ثمرته أيضا كما في ح عن الجزولي أنه لو أخرجه ولم يصفه وبقي عنده من غير تصفية أعواما ثم صفاه فعلى الثاني يزكيه زكاة واحدة وعلى الأول يزكيه لكل عام ( قوله أو تلف بعد إمكان الأداء ) أي وكان التلف بعد الإخراج وقبل التصفية




الخدمات العلمية