الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 302 ] 19 - ومن باب صلاة الخوف

شغلونا عن صلاة الوسطى - الجمع بين الصلوات - صلاة الخوف - لا تؤخر صلاة الخوف .

أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي ، أخبرنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد النيسابوري ، أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : شغل المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس ، أو احمرت ، فقال : شغلونا عن صلاة الوسطى ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا أو قال : حشا الله قبورهم وأجوافهم نارا .

هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في الصحيح ، عن عون بن سلام ، عن محمد بن طلحة .

أخبرني أبو موسى الحافظ ، أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، حدثنا الحارث بن أسد ، حدثنا محمد بن كثير الكوفي ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من أمر المشركين فلم يصل الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فلما فرغ صلاهن الأول فالأول ، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف .

أخبرنا عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد الجنابذي ، أخبرنا أبو بكر الحرشي ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا ابن أبي فديك ، أخبرنا ابن أبي ذئب ، [ ص: 303 ] عن المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة ، حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل ، حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأمره فأقام الظهر ، فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ، ثم أقام العصر فصلاها كذلك ، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا ، قال : وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف : ( فرجالا أو ركبانا ) .

قال الشافعي - رضي الله عنه - : فبين أبو سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية التي ذكر الله فيها صلاة الخوف ؛ قول الله - عز وجل - : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) الآية . ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) الآية .

ولما حكى أبو سعيد أن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق كانت قبل أن تنزل صلاة الخوف ( فرجالا أو ركبانا ) استدللنا على أنه لم يصل صلاة الخوف إلا بعدها ؛ إذ حضرها أبو سعيد ، وحكى تأخير الصلوات حين خرج من وقت عامتها ، وحكى أن ذلك قبل نزول صلاة الخوف .

قال الشافعي : ولا تؤخر صلاة الخوف بحال أبدا عن الوقت إن كانت في [ ص: 304 ] حضر ، أو عن وقت الجمع في السفر لخوف ولا لغيره ، ولكن يصلي كما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والذي أخذنا به في صلاة الخوف أن مالكا أخبرنا عن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف يوم ذات الرقاع : أن طائفة صلت معه ، وطائفة صفت وجاه العدو ، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا ، وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم .

قال الشافعي : وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات ، عن أبيه خوات بن جبير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث يزيد بن رومان .

قال الشافعي : وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الخوف على غير ما حكى مالك ، وإنما أخذنا بهذا دونه ؛ لأنه كان أشبه بالقرآن وأقوى في مكايدة العدو ، وقال الشافعي أيضا : وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا الكتاب من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سن سنة فأحدث الله إليه في تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها ، فسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تقوم بها الحجة على الناس ، حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها . وقال أيضا فنسخ الله تعالى تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها كما أنزل الله ، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها ، ونسخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه ثم بسنته ، فصلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها كما وصفت .

التالي السابق


الخدمات العلمية