الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد رجح ابن حجر في الفتح أن سبب نهيه الجارية عما تقول هو النهي عن الإطراء في المدح، ونسبة علم الغيب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واحتج برواية حماد: لا يعلم ما في غد إلا الله.
فقد أنكر عليها الإطراء لأنها أطلقت علم الغيب وهو صفة تختص بالله تعالى؛ كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65} وقوله لنبيه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ {الأعراف:188} وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله إياه، لا أنه يستقل بعلم ذلك؛ كما قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {الجن: 26-27}
وبناء على هذا يُعلم أن إطلاق علم النبي صلى الله عليه وسلم للغيب ممنوع شرعا؛ لقوله تعالى مخاطبا للرسول صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {الأنعام: 50} ولقول عائشة رضي الله عنها: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم الفرية على الله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد نقل صاحب عود المعبود عن عدة من أهل العلم القول بتكفير من يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب مطلقا، فلا يبعد عذر الجارية بالجهل ولا يحتاج للتعليق المذكور، وقد سبق أن ذكرنا عدة فتاوى تبين قضية العذر بالجهل وعدم تكفير المعين؛ إلا إذا أقيمت الحجة عليه، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 19084، 30284، 98353، 60824، 75673، وراجع في النهي عن الغلو في المدح الفتوى رقم: 24151.
والله أعلم.