خلاصة الفتوى: الاعتماد المستندي الوارد في الفتوى هو قرض بفائدة ربوية حرام، كما أن تنازل المشتري عن بعض المواصفات المطلوبة إذا كان من أجل الغش في التجارة كان حراما. وإذا تقرر ذلك كان التعاون مع هذين الطرفين محرما أيضا. ثم المال المأخوذ بموجب صفقات محرمة، فإن آخذه إذا تاب إلى الله منها، وكان في الأصل يجهل تحريمها فليس عليه إثم في الاستفادة مما كان قد أخذه عنها، والأفضل له صرفها في وجوه الخير.
فإن التكييف الفقهي للاعتماد المستندي هو أنه إما وكالة وإما قرض. ويكون وكالة في حال ما إذا كان الاعتماد ممولا تمويلا ذاتيا من قبل العميل، وحينئذ يكون دور البنك دور وكيل بأجر، ويجب أن تكون الأجرة معلومة محددة.
وفي حال ما إذا لم يكن العميل مالكا لقيمة الاعتماد أو عنده أقل من المبلغ المطلوب فإن الاعتماد يكون قرضا من البنك بفائدة ربوية.
وقولك في نص السؤال إن "المصرف يقوم بمنح المشتري اعتمادا مستنديا بقيمة البضاعة المشتراة، وعلى المشتري سداد هذه القيمة على أقساط شهرية أو سنوية بأكثر من سعرها الأصلي (فائدة حوالي 2.5%)"، يفيد بوضوح أن البنك مقرض وليس وكيلا، ومعلوم أن القرض بفائدة هو عين الربا.
وعليه، فما يجري بين المشتري وبين البنك هو عملية ربا محرمة. هذا في ما يخص الشق الأول من السؤال.
وفي ما يخص ما ذكرته من أن المشتري يتنازل عن بعض المواصفات المطلوبة كخفض كمية الإنتاج أو قوة المحرك... مقابل تحصله على فرق في السعر، فإذا كان يفعل ذلك ليغش بالتجارة، بأن يكتب عليها كمية أكثر من المحتوى الحقيقي، أو يصف المحرك بقوة تختلف عن قوته الحقيقية ونحو ذلك... فإن هذا يعتبر غشا ولا يجوز أيضا.
وأما الحكم بالنسبة لكم أنتم كطرف ثالث، فإنه مستمد من الحكم على العمليات التي تساعدون عليها، فهو -إذاً- عمل محرم؛ لأنه تعاون على الإثم والمعصية، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة :2].
ولكنكم إذا كنتم تجهلون التحريم فإنه لا يكون عليكم حرج في الاستفادة من المال الذي كنتم قد استفدتموه منه، طالما أنكم تبتم إلى الله، فالله تعالى يقول في حق المال المكتسب من الربا: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة :275}. والأورع لكم أن تتخلصوا منه في شيء من أوجه الخير والبر؛ كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما أخبره غلامه أنه أطعمه طعاما أخذه من شخص قد تكهن له الغلام في الجاهلية، لما أخبره بأصل هذا الطعام أدخل يده في فيه فقاء كل شيء في بطنه، والقصة في صحيح البخاري.
ولا بأس بأن تعطوه لأقاربكم وإخوانكم إذا كانوا فقراء أو مساكين.
والله أعلم.