الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن موت الغريق شهادة في الآخرة وليس في الدنيا؛ لأن الشهداء على ثلاثة أقسام:
الأول: وهو أعلاها شهيد الدنيا والآخرة، وهو المؤمن الذي قتل في المعركة مع الكفار، فلا يغسل، ويكفن في ثيابه، ولا يصلى عليه.
الثاني: شهيد الدنيا فقط وهو المنافق الذي يقتل في معركة مع الكفار، فإنه يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ولكنه في الآخرة في الدرك الأسفل من النار.
الثالث: وهو شهيد الآخرة فقط، وهو من مات بأحد الأسباب التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد. رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر: وقد اجتمع لنا في الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، وذكر منهم: اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال. فهذا يحصل على أصل ثواب شهيد المعركة، ولكنه لا يعامل في الدنيا معاملة شهيد المعركة؛ بل يغسل ويكفن ويصلى عليه.
وقد بين العلماء سبب حصول ثواب الشهادة بالموت بأحد هذه الأسباب.
قال النووي: قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها. انتهى.
وقال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء. انتهى.
والشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين؛ لما رواه أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك.
والغريق من هؤلاء لا يغفر له الدين.
والله أعلم.