الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتيمم عن النجاسة هو رأي لبعض أهل العلم، ولكن الصواب عند جمهور أهل العلم عدم مشروعيته لعدم ورود الدليل به، وإنما ورد الدليل باستعمال التيمم عن الحدث فقط، وقد ذكر ذلك الإمام النووي رحمه الله في المجموع فقال: مذهبنا أن التيمم عن النجاسة لا يجوز، ومعناه إذا كان على بعض بدنه نجاسة فتيمم في وجهه ويديه لا يصح، وبه قال جمهور العلماء وجوزه أحمد، واختلف أصحابه في وجوب إعادة هذه الصلاة، قال ابن المنذر: كان الثوري والأوزاعي وأبو ثور يقولون: يمسح موضع النجاسة بتراب ويصلي. وقال: وحكى أبو ثور هذا عن الشافعي قال: والمعروف من قول الشافعي بمصر أن التيمم لا يجزئ عن نجاسة.
وأما قدر الدرهم من حيث المساحة فهو كالدائرة السوداء التي تكون في يد البغل، وقد اختلف أهل العلم القائلين به كالمالكية في تقديره، فمنهم من يقول هو قدر الأنملة العليا من الأصبع الخنصر أي الأصبع الصغير أي قدر رأس هذه الأصبع. ومنهم من يقول قدر هذه الأصبع لو طويت. ومنهم من يقول هو قدر فم الجرح، ولعل السبب في اختلافهم هو اختلاف الدراهم المضروبة فمنها الصغير والكبير، وإليك طرفاً من كلامهم في ذلك..
قال الحطاب في مواهب الجليل نقلاً عن التوضيح: والمراد بالدرهم الدرهم البغلي أشار إليه مالك في العتبية ونص عليه ابن رشد ومجهول الجلاب أي الدائرة التي تكون بباطن الذراع من البغل. انتهى.
وقال ابن فرحون بعد أن ذكر كلام التوضيح، وفي التلمساني شارح الجلاب مثل ذلك ثم قال: وهذه النقول فيها نظر، والدرهم البغلي الذي أشار إليه مالك في العتبية المراد به سكة قديمة لمالك تسمى رأس البغل ذكره النووي رحمه الله في تحرير التنبيه، ويدل لذلك قول مالك: الدراهم تختلف، بعضها أكبر من بعض، فهذا يدل على أنه أراد الدراهم المسكوكة، وقد أوقفت بعض الفضلاء ممن أدركناه على كلام النووي وكان قد شرع في شرح التهذيب وذكر في ذلك نحو ما ذكر ابن رشد فرجع وأصلح كتابه. (قلت) والظاهر أن ذلك متقارب، وقد نقل ابن فرحون عن ابن يونس عن ابن عبد الحكم أن قدر الدرهم قدر فم الجرح. والله تعالى أعلم.
وقيل: إن اليسير قدر الخنصر، قال في التوضيح عن صاحب الإرشاد: إن المراد -والله تعالى أعلم- مساحة رأسه لا طوله، فإن طوله أكثر من الدرهم. وقال في مجهول الجلاب: يعنون به الأنملة العليا. وقال ابن هارون: المراد إذا كان منطوياً. انتهى. وفي سماع أشهب لأجيبكم بتحديده، هو ضلال الدراهم تختلف، فأشار إلى أنه يرجع فيه للعرف وعليه اقتصر في العارضة، وقال الجزولي وهو المشهور ولم يعتمد المتأخرون تشهيره. وقال ابن ناجي رحمه الله تعالى: ونقل ابن المنذر عن مالك تعاد الصلاة من كثير الدم وكثيره نصف الثوب فأكثر، قال: وكل من لقيته يقول هو قول غريب بعيد، وفي أول الإكمال ونقل المخالف عن مذهبنا في ذلك قولاً منكراً عندنا. انتهى. فلعله القول المتقدم.
والله أعلم.