الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمسلم مطالب بأداء الشهادة لله تعالى فرضاً إذا طلب منه ذلك، وكان متيقناً لا يخالجه أي شك، ولم يكن هناك من يقوم بالشهادة غيره، ولم يكن يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو أهله، وذلك لقول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2}، ولقوله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283}، فلا يجوز للمسلم أن يكتم شهادة الحق، ويتأكد الأمر إذا تعينت عليه أو ترتب على عدم أدائها ضياع دم المسلم أو ماله أو عرضه أو أي حق من حقوقه، إلا إذا خاف الشاهد الضرر -ظلماً- على نفسه أو بدنه أو ماله أو أهله، فلا يلزمه الأداء حينئذ؛ لقول الله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ {البقرة:282}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال بعض العلماء: لا يجب أداء الشهادة إذا كان الحاكم غير عدل، قال الإمام أحمد: كيف أشهد عند رجل غير عدل؟ لا أشهد. كما أن أداء الشهادة لا يجب إذا لم يكن المرء متيقناً لما يراد منه الإدلاء به. وقد سبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 67693.
وأما ما ذكرته من اليمين فإن كنت فعلته اتقاء لحوق الضرر بك ظلماً، فإن ذلك يباح لك، ولا تعد به حانثاً لكونك مكرهاً عليه، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى يعدد أنواع الإكراه التي يرتفع معها الحنث والإثم: ... بخوف مؤلم من قتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع لذي مروءة بملإ أو قتل ولده أو لماله...
وأما إن كان الحامل عليها هو تخليص شخص أجنبي من ظلم سيلحق به، فإن الحلف حينئذ يندب، ولكن الحالف يطالب بالكفارة، قال خليل بن إسحاق بعد النص السابق: لا أجنبي، وأمر بالحلف ليسلم. قال الدسوقي معلقاً: (قوله وأمر.. إلخ) أي كما إذا قال ظالم لشخص فلان عندك وتعلم مكانه ائتني به أقتله أو آخذ منه كذا، أو إن لم تأتني به قتلت زيداً صاحبك أو أخاك، فقال ليس عندي ولا أعلم مكانه، فأحلفه الظالم على ذلك بالطلاق، (أو بيمين أخرى) والحال أن الحالف يعلم مكانه وقادر على الإتيان به لذلك الظالم، فإن الحالف لا يعذر بذلك ويحنث في يمينه، ولكن لا إثم عليه في الحلف بل أتى بمندوب فيثاب عليه. انتهى.
وهذا كله إذا كان المراد تخليصه مظلوماً، وأما إذا كان ظالماً -كما هو محتمل في هذه القصة- فإنه لا يجوز الستر عليه، ولا كتمان الشهادة، ما لم يكن الشاهد يجهل حقيقة الأمر، وأما إذا كان يجهل حقيقة الأمر فالواجب أن يخبر بما يعرفه، وإنما سمعهم يقولون كذا وكذا...
وعليه.. فالواجب أن تتوب إلى الله من اليمين التي حلفتها إذا كنت قد جانبت فيها الصواب في خبر أو كتمان شهادة، والأحوط أيضاً أن تخرج كفارة يمين، لأن بعضاً من أهل العلم يرون الكفارة في اليمين ولو كانت غموساً.
والله أعلم.