الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإمام هنا غير مطالب بالاستمرار في الخطبة ما دام قد بقي وحده، لأن الغرض من الخطبة إسماع الناس، فإذا انفض من في المسجد كلهم فلا داعي للاستمرار فيها، وعليه أن ينتظر حتى ترجع إليه الجماعة أو يرجع إليه منها العدد المشترط لصلاة الجمعة أو تأتيه جماعة أخرى الجمعة تصح بهم، وتحديد العدد المشترط للجمعة مختلف فيه بين الفقهاء، كما سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 3476.
فإن رجعوا في وقت صلاة الجمعة بعد طول الفصل استأنف الخطبة من جديد، وإن رجعوا عن قرب بنى على ما مضى من خطبته إن رجع الأولون، إما إن جاء غيرهم استأنف الخطبة، وإن لم يرجعوا ولم تأت جماعة أخرى وضاق الوقت صلى الظهر، قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: لو حضر العدد ثم انفضوا قبل افتتاح الخطبة لم يجز افتتاحها حتى يجتمع لها أربعون كاملون، وإن انفضوا في أثناء الخطبة لم يعتد بالركن المفعول في غيبتهم بلا خلاف، بخلاف الانفضاض في الصلاة، فإن فيه الأقوال الخمسة، وفرق الأصحاب بأن كل واحد يصلي لنفسه فسومح بنقص العدد على قول، والخطيب لا يخطب لنفسه، إنما الغرض إسماعهم، فما جرى ولا مستمع لم يحصل فيه الغرض فلم تصح، ثم إن عادوا قبل طول الفصل بنى على خطبته، وإن عادوا بعده فقولان مشهوران في كتب الخراسانيين، قال: ويعبر عنهما بأن الموالاة في الخطبة واجبة أم لا؟ الأصح أنها واجبة فيجب الاستئناف. والثاني: غير واجبة فيبني... إلى أن قال: ولو لم يعد الأولون وجاء غيرهم وجب استئناف الخطبتين قصر الفصل أم طال بلا خلاف، أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة -فإن عادوا قبل طول الفصل- صلى الجمعة بتلك الخطبة بلا خلاف، وقد ذكره المصنف بعد هذا بقليل، وإن عادوا بعد طول الفصل ففيه خلاف مبني على اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة، وفيه قولان مشهوران (أصحهما): وهو الجديد الاشتراط، فعلى هذا لا تجوز صلاة الجمعة بتلك الخطبة (والثاني): لا يشترط فعلى هذا يُصلي بها. انتهى.
ولبيان تحديد بداية وقت الجمعة ونهايتها تراجع الفتوى رقم: 23774، والفتوى رقم: 63212.
والله أعلم.