الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي هذا السؤال إجمال، فإن كنت تقصد الاستئذان عند الدخول على شخص في بيته فلا بد من هذا الاستئذان ولو علم يقينا رضاه؛ لأن الشخص قد يكون في تلك اللحظة على حال لا يحب أن يُرى فيها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر. رواه البخاري ومسلم وتراجع الفتوى رقم:43128، 75406.
وإن كنت تقصد الاستئذان في التصرف فيما هو ملك للغير فقد ذكر العلماء قاعدة مفادها أن الإذن العرفي يجري مجرى الإذن اللفظي، وممن ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القواعد النورانية. وتلميذه ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين. ومما قال ابن تيمية ما نصه: الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قول وفعل، والعلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضا، وعلى هذا يخرج مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان بيعة الرضوان -وكان غائبا- وإدخاله أهل الخندق إلى منزل أبي طلحة ومنزل جابر بدون استئذانهما لعلمه أنهما راضيان بذلك، ولما دعاه صلى الله عليه وسلم اللحام سادس ستة اتبعهم رجل فلم يدخله حتى استأذن اللحام الداعي، وكذلك ما يؤثر عن الحسن البصري أن أصحابه لما دخلوا منزله وأكلوا طعامه قال: ذكرتموني أخلاق قوم قد مضوا. وكذلك معنى قول أبي جعفر: إن الإخوان من يُدخل أحدهم يده في جيب صاحبه فيأخذ منه ما شاء.
ومن ذلك قول صلى الله عليه وسلم لمن استوهبه كبة شعر: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فقد وهبته لك. وكذلك إعطاؤه المؤلفة قلوبهم عند من يقول إنه أعطاهم من أربعة الأخماس.
وعلى هذا خرَّج الإمام أحمد بيع حكيم بن حزام وعروة بن الجعد لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين وباع إحداهما بدينار. فإن التصرف بغير استئذان خاص تارة بالمعاوضة، وتارة بالتبرع، وتارة بالانتفاع، مأخذه إما إذن عرفي في عام أو خاص. اهـ
وعلى هذا؛ فلا يجب الاستئذان في التصرف في شيء هو ملك للغير إذا علم رضاه، وتصرف بما لا يضر بالمالك.
والله أعلم.