الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى خطأ ورد في قولك: لو ما سمعت كلامهم من الأول ودرست بكندا أو أمريكا كان معايا بالفترة هذه دكتوراه، وكنت الحين شغالا وحالتي أحسن مما هي عليه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
كما نذكرك بقول الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، وقال الله جل وعلا: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، فربما كان تعلمك في أمريكا أو كندا يجلب لك شرا لم تكن تحسب له حساباً، ونذكرك أيضاً بتفاهة الدنيا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء. رواه الترمذي وصححه، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفيه. فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء. وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا، كان عيباً فيه لأنه أسك. فكيف وهو ميت؟ فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم.
وعلى أية حال، فإن من حقك أن تحصل على نصيبك من متروك أبيك، ومن أخذ من هذا الحق شيئاً فقد ظلم ظلما مبيناً، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء:10}.
واعلم أن الآباء والأمهات في الغالب مجبولون على حب أبنائهم والسعي في جلب النفع لهم ودفع الضر عنهم، وليس من المعتاد أن تدعو الأم على ولدها ولا أن تقول له الكلام البذيء، أو تلحق به أي ضرر، مع أنها لو فعلت فإن ذلك لا ينقص شيئاً مما لها من الحقوق على أبنائها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
وفيما يخص سؤالك عما إذا كان الأفضل لك أن تدعو على نفسك بالموت، فجوابه أن ذلك لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن تمني الموت، ولا شك أنه أخف من الدعاء به، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.
وأما السؤال عما إذا كان الأفضل لك أن تأخذ ميراثك وتفرده عن مال إخوتك، فجوابه: لا يمكن إلا ممن له اطلاع كبير على الحال التي أنتم عليها، وعلى ما ستفعل بهذا المال بعد أخذه، والذي نراه أقرب إلى السداد هو أن ذلك قد يكون خيراً لك وأبعد عن التنازع، خصوصاً إذا رضيت بذلك والدتك.
والله أعلم.