الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبغض الزوجة لزوجها وخشيتها من أن لا تؤدي حق الله في طاعته مبيح لمخالعتها له ، قال ابن قدامة في المغني: مسألة قال : ( والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل، وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه ) وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك , وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه . انتهى
والأصل في ذلك قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة: 229}. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته ، قالت نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة .
فقولها: أكره الكفر في الإسلام معناه أنها تخاف أن يحملها بغضه على ما يقتضي الكفر ،قاله في الفتح ، أما مجرد عدم ميل النفس إلى الزوج وعدم الإحساس بالمودة والسكنى معه ، وعدم التوافق بينها وبينه ونحو ذلك ، فليس ذلك سببا يبرر طلب الخلع .
وقد اختلف في حكم طلب الخلع لغير ما ذكر سابقا فقيل يكره وقيل يحرم ، قال ابن قدامة في المغني ( قال : ( ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع ) أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله .. والحال عامرة، والأخلاق ملتئمة، فإنه يكره لها ذلك. فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم ; منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي ويحتمل كلام أحمد تحريمه؛ فإنه قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع . وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحا إلا في هذه الحال .. وذلك لأن الله تعالى قال : وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ {البقرة: 229 } وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا ألا يقيما حدود الله، ثم قال : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة: 229 } فدل بمفهومه على أن الجناح لاحق بهما إذا افتدت من غير خوف، ثم غلظ بالوعيد فقال : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {البقرة: 229 } وروى ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه أبو داود . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المختلعات والمنتزعات هن المنافقات . رواه أبو حفص ورواه أحمد في " المسند " , وذكره محتجا به، وهذا يدل على تحريم المخالعة لغير حاجة؛ ولأنه إضرار بها وبزوجها، وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، فحرم لقوله عليه السلام : لا ضرر ولا ضرار . واحتج من أجازه بقول الله سبحانه : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {النساء: 4 } قال ابن المنذر: لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة؛ بدليل الربا حرمه الله في العقد وأباحه في الهبة . والحجة مع من حرمه، وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمه على عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار) انتهى .
وبما ذكر يتبين للأخت متى يجوز لها طلب الخلع ومتى لا يجوز .
والله أعلم .