الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا من قبل أن تعلم السحر والعمل به كفر على الراجح، لقول الله تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ... [البقرة: 102].
ونبهنا إلى أنه يتعين على القنوات التي يقوم عليها المسلمون أن لا تخرج برامج عن السحر إلا مع بيان خطورته والتحذير منه، ويتعين على المشاهدين أن يحرصوا دائمًا على اختيار ما يشاهدونه، ويتحرزوا من الشر والفجور الذي يشاهد في القنوات.
وبينا كذلك أن العبد المسلم إذا عجز عن إنكار المنكر بيده ولسانه، فأدنى مراتب تغييره أن ينكره بقلبه. والأصل في ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
وصفة الإنكار بالقلب أن يشعر المؤمن في قلبه بكراهة هذا المنكر وبغضه له، وأن يتمنى أن لو قدر على تغييره، وأن يناله حزن وهم لعدم قدرته على تغيير هذا المنكر.
وبينا أن الإنسان إذا كان عاجزًا عن تغيير المنكر إلا أنه بوسعه مفارقة المكان الذي يعصى الله فيه، فيجب عليه مفارقته ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط. وقد قال جل وعلا: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، وقال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140].
فواجب كل من لا يستطيع تغيير هذا المنكر من المسلمين أن يكف نفسه وأهله عن مشاهدته والترويج له.
ثم لتعلم السائلة الكريمة أننا لا نملك صلاحية تغيير مثل هذا المنكر باليد، وكل ما نستطيعه هو التنبيه على أنه منكر، وقد فعلنا ذلك، وسنستمر في فعله دائمًا إن شاء الله.
وعلى كل مسلم سمع بهذا المنكر أن ينكره؛ فإن الكلمة إذا توحدت كان ذلك أدعى لبلوغ المراد منها. قال الشاعر:
فَقُلْت ادْعِي وأدْع فإنَّ أنْدَى لِصَوْتٍ أنْ يُنادِيَ دَاعيانِ
ونسأل الله أن يوفقنا وإياك للخير ولتغيير المنكر، وأن يوفق لذلك جميع المسلمين.
والله أعلم.