الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالخمر نجسة في قول جمهور العلماء واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90}، وكما رواه أحمد وأبو داود واللفظ له عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها -أي اغسلوها- بالماء وكلوا واشربوا.
وقد ناقش الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب الاستدلال على نجاسة الخمر بهذا النوع من الاستدلال، ثم قال رحمه الله: وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظاً وزجراً عنها قياساً على الكلب وما ولغ فيه.
والصحابة الكرام رضي الله عنهم لما علموا حرمتها أراقوها حتى سالت في الطرقات، ولا دليل على طهارتها من مجرد إراقتهم لها في الطرقات، فربما علموا بالحرمة ولم يعلموا بالنجاسة لأنه لا يلزم من الحرمة النجاسة، وربما أراقوها على جوانب الطرقات وعبر الراوي بالطرقات لقربهما، أو أراقوها حول الطريق ولكثرتها سالت في الطرقات إلى غير ذلك من الاحتمالات التي ترد على الاستدلال بهذا العمل، وكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة بإراقتها كان في الحائط أي البستان وليس في الطريق، ففي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
والاستدلال بكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابي الذي أهدى إليه الخمر جاهلاً بتحريمها وحديثه في صحيح مسلم استدلال غير سالم من الاعتراض لأنه معلوم للصحابة وجوب غسل آنية الخمر، وذلك لأنه تقرر لديهم وجوب غسل النجاسات عموماً وغسل ما أصابته الخمر خصوصاً، كما سبق. والخلاصة أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم ولكل دليله.
والله أعلم.